للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتى ناس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا نأكل ما نقتل، ولا نأكل ما يقتل الله تعالى، فأنزل الله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ إلى قوله: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. أخرجه أصحاب السنن «١» .

وفي رواية لأبي داود في قوله تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ قال: يقولون ما ذبح الله- فلا تأكلوا، وما ذبحتم أنتم فكلوا؟ فأنزل الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وفي أخرى: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فنسخ، واستثنى من ذلك فقال:

وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ.

وعند النسائي «٢» قال: خاصمهم المشركون، فقالوا: ما ذبح الله لا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ - كذا في تيسير الوصول.

الثاني- دلت الآية على مشروعية التسمية عند الذبح فقيل: باسم الله، بهذا اللفظ الكريم. وقيل: بكل قول فيه تعظيم له كالرحمن، وسائر أسمائه الحسنى، لقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: ١١٠] ولقوله تعالى:

وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: ١٨٠] .

الثالث- ما قدمناه من حمل الآية على ما ذبح لغير الله تعالى هو الأظهر في تأويلها، لقوله تعالى بعد: أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ومراعاة النظائر في القرآن أولى ما يلتمس به المراد.

وقد روى ابن أبي حاتم عن عطاء قال: نزلت في ذبائح كانت تذبحها قريش على الأوثان، وذبائح المجوس. وقد حاول بعضهم أن يقويه فجعل الواو في قوله:

وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ حالية، لقبح عطف الخبر على الإنشاء. قال: والمعنى: لا تأكلوه حال كونه فسقا. والفسق مجمل يفسره قوله: أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، فيكون النهي مخصوصا بما أهل لغير الله به، فيبقى ما عداه حلالا، إما بالمفهوم، أو بعموم دليل الحل، أو بحكم الأصل. واعترض على هذا الحمل بأنه يقتضي أن لا يتناول النهي أكل الميتة، مع أنه سبب النزول، وبأن التأكيد ب (إن) و (اللام) ينفي كون الجملة


(١) أخرجه أبو داود في: الأضاحي، ١٢- باب في ذبائح أهل الكتاب، حديث ٢٨١٩.
(٢) أخرجه النسائي في: الضحايا، ٤٠- باب تأويل قوله عز وجل: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>