للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون في ملكه إلّا ما يريد، وهو خالق لأفعال العباد.!

وقد خالف في ذلك عامة القدرية- الذين سمّاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة- فقالوا: لا إرادة إلّا بمعنى المشيئة، وهو لم يرد إلا ما أمر به، ولم يخلق شيئا من أفعال العباد. فعندهم أكثر ما يقع من أفعال العباد على خلاف إرادته تعالى. ولما كان قولهم هذا في غاية الشناعة. تبرأ منهم الصحابة. وأصل بدعتهم- كما قال ابن تيمية- كانت من عجز عقولهم عن الإيمان بقدر الله والإيمان بأمره ونهيه. وسنبيّن تحقيق ذلك بعد أن نورد شبهتهم في هذه الآية وندمغها- بعونه تعالى- بعدة وجوه فنقول:

(قالوا) : إن الله تعالى حكى عن المشركين أنهم قالوا: أشركنا بإرادة الله تعالى. ولو أراد عدم إشراكنا لما أشركنا، ولما صدر عنا تحريم المحللات فقد أسندوا كفرهم وعصيانهم إلى إرادته تعالى كما تزعمون أنتم. ثم إنه تعالى ردّ عليهم مقالتهم وبيّن بطلانها وذمّهم عليها وأوعدهم عليها وعيدا شديدا. فلو كان يجوز إضافة المشيئة إلى الله تعالى في ذلك، على ما تضيفون أنتم، لم يكن يردّ ذلك عليهم ويتوعّدهم؟

(قلنا) : إنّ المشيئة في الآية تتخرّج على وجوه:

أحدهما: ما قال الحسن والأصمّ- إن المشيئة هاهنا الرضا- فمرادهم: أنّ الله رضي بفعلنا وصنيعنا- حيث فعل آباؤنا مثل ما فعلنا- فلم يحل الله بينهم وبين ذلك، ولا أخذ على أيديهم، ولا منعهم عن ذلك فلو لم يرض بذلك عنهم لكان يمنعهم عنه! قال أبو منصور: وإنما استدلوا بالرضا من الله والإذن فيما كانوا فيه، أنهم كانوا يخوفون بالهلاك والعذاب على صنيعهم، ثم رأوا آباءهم ماتوا على ذلك ولم يأتهم العذاب، فاستدلوا بتأخير نزول العذاب عليهم على أنّ الله رضي بذلك.

وبالجملة، أرادوا بقولهم ذلك. أنهم على الحق المشروع المرضي عند الله.

ولما كانت حجتهم داحضة باطلة- لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه ودمّر عليهم وأدال عليهم رسله الكرام- قال تعالى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا أي: بأن الله راض عليكم فيما أنتم فيه! وهذا من التهكّم والشهادة بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة.

وفي (الوجيز) : الحاصل أن المشركين اعتقدوا عدم التفرقة بين المأمور

<<  <  ج: ص:  >  >>