للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يذكر المسؤول عنه، وهو (الساعة) اكتفاء بما تقدم فلما كرر السؤال لهذه الفائدة كرر الجواب أيضا مجملا، فقال: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ. ويلاحظ هذه في تلخيص الكلام بعد بسطه. ومن أدق ما وقفت عليه العرب في هذا النمط من التكرير لأجل بعد العهد، تتطرية للذكر، قوله:

عجّل لنا هذا وألحقنا بذا ال ... شحم إن قد مللناه بجل

أي فقط، فذكر الألف واللام، خاتمة للأول من الرجزين، ثم لما استفتح الرجز الثاني، استبعد العهد بالأولى، فطرّي ذكرها، وأبقى الأول في مكانها. ومن ثم استدلّ ابن جني. على أن ما كان من الرجز على ثلاثة أجزاء، فهو بيت كامل، وليس بنصف، كما ذهب إليه أبو الحسن. قال: ولو كان بيتا واحدا، لم يكن عهد الأولى متباعدا، فلم يكن محتاجا إلى تكريرها. ألا ترى أن عبيدا لما جاء بقصيدة طويلة الأبيات، وجعل آخر المصراع الأول (أل) لم يعدها أول المصراع الثاني، لأنها بيت واحد، فلم ير عهدها بعيدا، وذلك قول عبيد بن الأبرص الأسدي:

يا خليليّ أربعا واستخبرا ال ... منزل الدّارس عن أهل الحلال

مثل سحق البرد عفّى بعدك ال ... قطر مغناه وتأويب الشّمال

(أربعا: أقيما. الحلال: اسم امراة. سحق البرد: يريد مثل البرد المسحوق أي البالي. وعفى، بالتشديد: محا. القطر: المطر. مغناه. هو الموضع الذي كانوا يسكنونه. والشمال- بالفتح والكسر- من الرياح، ما مهبّه من مطلع الشمس وبنات نعش. وهي لا تكاد تهب ليلا. وتأويبها: هبوبها النهار كله) ثم استرسل فيها كذلك بضعة عشر بيتا. فانظر هذه النكتة، كيف بالغت العرب في رعايتها، حتى عدت القريب بعيدا، والمتقاصر مديدا. فتأملها فإنها تحفة إنما تنفق عند الحذاق الأعيان، في صناعتي العربية والبيان، والله المستعان- انتهى-.

(والقصيدة بتمامها في (مختارات ابن الشجريّ) بالصفحة رقم ٣٧) ثم أمره تعالى أن يخبر بعبوديته الكاملة، بما ينبئ عن عجزه عن علم الساعة بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٨]]

قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)

قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا أي لا أقدر، لأجل نفسي، على جلب نفع مّا،

<<  <  ج: ص:  >  >>