للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا.. الآية.

وقوله تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يحتمل وجوها من المعاني.

أحدهما: أنه تعالى يملك على المرء قلبه فيصرفه كيف يشاء، فيحول بينه وبين الكفر، إن أراد هدايته، وبينه وبين الإيمان، إن أراد ضلالته، وهذا المعنى رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس، وصححه، وقاله غير واحد من السلف. ويؤيده ما

روي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك.

فقيل: يا رسول الله! آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله تعالى، يقلبها- رواه الإمام أحمد «١»

والترمذي «٢» عن أنس ولفظ مسلم «٣» : إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفها كيف شاء ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللهم! مصرف القلوب، صرف قلوبنا إلى طاعتك- انفرد مسلم عن البخاري بإخراجه عن عبد الله بن عمرو-

وفي رواية: إن قلب الآدميّ بين إصبعين من أصابع الله، فإذا شاء أزاغه، وإذا شاء أقامه- رواه الإمام أحمد «٤» عن عائشة-

. وروي أيضا مثله عن جابر وبلال والنوّاس «٥» بن سمعان وأم سلمة، كما ساقه ابن كثير. وعلى هذا المعنى، فالآية استعارة تمثيلية، لتمكنه من قلوب العباد، فيصرفها كيف يشاء، بما لا يقدر عليه صاحبها. شبه بمن حال بين شخص ومتاعه، فإنه يقدر على التصرف فيه دونه.

ثانيها: أنه حث على المبادرة إلى الطاعة، قبل حلول المنية، فمعنى (يحول بينه وبين قلبه) يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها، وهو التمكن من إخلاص القلب، ومعالجة أدوائه وعلله، ورده سليما، كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وأخلصوها لطاعة الله ورسوله. فشبه الموت بالحيلولة بين المرء وقلبه، الذي به يعقل، في عدم التمكن من علم ما ينفعه علمه.


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣/ ١١٢.
(٢) أخرجه الترمذي في: القدر، ٧- باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن.
(٣) أخرجه مسلم في: القدر، حديث رقم ١٧.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٦/ ٢٦١.
(٥) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٤/ ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>