للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولّى هاربا على قفاه وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ أي من عهد جواركم إِنِّي أَرى أي من الملائكة النازلة لإمداد المؤمنين ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ أي أن يعذبني قبل يوم القيامة وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ أي فلا يبعد مع إمهالي إلى القيامة، أن يعذبني لشدة عقابه.

[تنبيه:]

ذكروا في التزيين وجهين:

أحدهما: أن الشيطان وسوس لهم من غير تمثيل، في صورة إنسان، وهو مروي عن الحسن والأصم. فالقول على هذا مجاز عن الوسوسة. والنكوص وهو الرجوع استعارة لبطلان كيده.

وثانيهما: أنه ظهر في صورة إنسان، لأنهم لما أرادوا المسير إلى بدر، خافوا من بني كنانة، لأنهم كانوا قتلوا رجلا، وهم يطلبون دمه، فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم، فتمثل إبليس اللعين في صورة سراقة الكناني، وقال: أنا جاركم من بني كنانة، فلا يصل إليكم مكروه منهم. فقوله (إني جار لكم) على الحقيقة. وقال الإمام: معنى (الجار) هنا الدافع للضرر عن صاحبه، كما يدفع الجار عن جاره.

والعرب تقول: أنا جار لك من فلان، أي حافظ لك، مانع منه. وهذا القول الثاني ذهب إلى جمهور المفسرين.

روى مالك «١» في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، مرسلا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ، منه في يوم عرفة. وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام.

إلا ما رأى يوم بدر، فإنه قد رأى جبريل يزع الملائكة.

قال الإمام: وكان في تغيير صورة (إبليس) إلى صورة (سراقة) معجزة عظيمة للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وذلك لأن كفار قريش لما رجعوا إلى مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم، حتى بلغتني هزيمتكم، فعند ذلك تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سراقة، بل كان شيطانا.


(١) أخرجه في الموطأ في: الحج: حديث ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>