للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنفال (٨) : آية ٥٩]]

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩)

وَلا يَحْسَبَنَّ قرئ بالياء والتاء الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا أي فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ أي لا يفوتون الله من الانتقام منهم، إما في الدنيا بالقتل، وإما في الآخرة بعذاب النار. وقرئ بفتح (أن) على تقدير لام التعليل، وهذا كقوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا، ساءَ ما يَحْكُمُونَ [العنكبوت: ٤] ، وقوله تعالى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ، وَمَأْواهُمُ النَّارُ، وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ [النور: ٥٧] وقوله تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ، وَبِئْسَ الْمِهادُ [آل عمران: ١٩٦- ١٩٧] .

وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنفال (٨) : آية ٦٠]]

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)

وَأَعِدُّوا لَهُمْ أي لقتال ناقضي العهد السابق ذكرهم، أو الكفار مطلقا، وهو الأنسب بسياق النظم الكريم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أي من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها، أطلق عليه القوة مبالغة.

قال الشهاب: وإنما ذكر لأنه لم يكن لهم في (بدر) استعداد تام، فنبّهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل زمان.

وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (الرباط) في الأصل مصدر ربط، أي شدّ، ويطلق بمعنى المربوط مطلقا، وكثر استعماله في الخيل التي تربط في سبيل الله. فالإضافة، إما باعتبار عموم المفهوم الأصلي، أو بملاحظة كون الرباط مشتركا بين معان أخر، كانتظار الصلاة وملازمة ثغر العدوّ، والمواظبة على الأمر، فإضافته لأحد معانيه للبيان، ك (عين الشمس) ومنه يعلم أنه يجوز إضافة الشيء لنفسه إذا كان مشتركا.

وإذا كان من إضافة المطلق للمقيد، فهو على معنى (من) التبعيضية. وقد يكون (الرباط) جمع ربيط، كفصيل وفصال. قال في (التاج) : يقال: نعم الربيط هذا، لما

<<  <  ج: ص:  >  >>