للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرتبط من الخيل. ثم إن عطفها على (القوة) مع كونها من جملتها للإيذان بفضلها على بقية أفرادها، كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة تُرْهِبُونَ بِهِ أي تخوّفون بذلك الإعداد عَدُوَّ اللَّهِ وهو المثبت له شريكا، المبطل لكلمته وَعَدُوَّكُمْ أي الذي يظهر عداوتكم، فتخوفونهم لئلا يحاربوكم باعتقاد القوة في أنفسهم دونكم.

[تنبيه:]

دلت هذه الآية على وجوب إعداد القوة الحربية، اتقاء بأس العدوّ وهجومه.

ولما عمل الأمراء بمقتضي هذه الآية، أيام حضارة الإسلام، كان الإسلام عزيزا، عظيما، أبي الضيم، قوي القنا، جليل الجاه، وفير السنا، إذ نشر لواء سلطته على منبسط الأرض، فقبض على ناصية الإفطار والأمصار، وخضد شوكة المستبدين الكافرين، وزحزح سجوف الظلم والاستعباد، وعاش بنوه أحقابا متتالية وهم سادة الأمم، وقادة مشعوب، وزمام الحول والطول وقطب روحي العز والمجد، لا يستكينون لقوة، ولا يرهبون لسطوة. وأما اليوم، فقد ترك المسلمون العمل بهذه الآية الكريمة، ومالوا إلى النعيم والترف فأهملوا فرضا من فروض الكفاية، فأصبحت جميع الأمة آثمة بترك هذا الفرض. ولذا تعاني اليوم من غصته ما تعاني. وكيف لا يطمع العدوّ بالممالك الإسلامية، ولا ترى فيها معامل للأسلحة، وذخائر الحرب، بل كلها مما يشترى من بلاد العدوّ؟ أما آن لها أن تتنبه من غفلتها، وتنشئ معامل لصنع المدافع والبنادق والقذائف والذخائر الحربية؟ فلقد ألقي عليها تنقص العدوّ بلادها من أطرافها درسا يجب أن تتدبره، وتتلافى ما فرطت به. قبل أن يداهم ما بقي منها بخيله ورجله، فيقضي- والعياذ بالله- على الإسلام وممالك المسلمين، لاستعمار الأمصار، واستعباد الأحرار، ونزع الاستقلال المؤذن بالدمار. وبالله الهداية.

وقوله تعالى آخَرِينَ أي وترهبون قوما آخرين مِنْ دُونِهِمْ أي من دون من يظهر عداوتكم، وهم المنافقون لا تَعْلَمُونَهُمُ أي أنهم يعادونكم اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ أي أنهم أعداؤكم، يظهرون عداوتهم إذا رأوا ضعفكم. ثم شجعهم سبحانه على إنفاق المال في إعداد القوة، ورباط الخيل، مبشرا لهم بتوفية جزائه كاملا، بقوله تعالى وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي الذي أوضحه الجهاد يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أي في الدنيا من الفيء والغنيمة والجزية والخراج، وفي الآخرة بالثواب المقيم وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ أي بترك الإثابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>