للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجيب: أن عاهَدْتُمْ إخبار عن سابق صدر من الرسول صلّى الله عليه وسلّم والجماعة، فنسب إلى الكل، كما هو الواقع، وإن كان بإذن الله أيضا.

وأما البراءة فهي إخبار عن متجدّد، فكيف ينسب إليهم، وهم لم يحدثوه بعد، وإنما يسند إلى من أحدثه؟ وقال الناصر: إن سر ذلك أن نسبة العهد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم في مقام نسب فيه النبذ إلى المشركين، لا يحسن أدبا. ألا ترى إلى وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمراء السرايا حيث

يقول لهم «١» : «إذا نزلت بحصن فطلبوا النزول على حكم الله، فأنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أصادفت حكم الله فيهم أو لا! وإن طلبوا ذمة الله، فأنزلهم على ذمتك. فلأن تخفر ذمتك، خير من أن تخفر ذمة الله» !

فانظر إلى أمره صلّى الله عليه وسلّم بتوقير ذمة الله، مخافة أن تخفر، وإن كان لم يحصل بعد ذلك الأمر المتوقع، فتوقير عهد الله، وقد تحقق من المشركين النكث، وقد تبرأ منه الله ورسوله بألا ينسب العهد المنبوذ إلى الله- أحرى وأجدر. فلذلك نسب العهد إلى المسلمين دون البراءة منه.

وقال الشهاب: ولك أن تقول: إنما أضاف العهد إلى المسلمين، لأن الله علم أن لا عهد لهم، فلذا لم يضف العهد إليه، لبراءته منهم، ومن عهدهم في الأزل.

وهذا نكتة الإتيان بالجملة اسمية خبرية. وإن قيل: إنها إنشائية للبراءة منهم، ولذا دلت على التجدد. انتهى.

قال ابن إسحاق. نزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين المشركين من العقد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم، ألا يصدّ عن البيت أحد جاءه، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام. وكان ذلك عهدا عامّا بينه وبين الناس من أهل الشرك.

وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين قبائل من العرب خصائص إلى آجال مسماة، فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عنه في (تبوك) ، وفي قول من قال منهم، فكشف الله سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون.


(١) أخرجه مسلم في: الجهاد، حديث رقم ٣.
وأخرجه أبو داود في: الجهاد، ٨٢- باب في دعاء المشركين، حديث رقم ٢٦١٢.
وأخرجه الترمذي في: السير، ٤٧- باب ما جاء في وصية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في القتال.
وأخرجه ابن ماجة في: الجهاد، ٣٨- باب وصية الإمام، حديث رقم ٢٨٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>