للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أي ما صحّ لهم وما استقام أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ أي التي بنيت على اسمه وحده لا شريك له، أي يعمروا شيئا منها، فهو جمع مضاف في سياق النفي، ويدخل فيه المسجد الحرام دخولا أوليا، إذ نفي الجمع يدل على النفي عن كل فرد، فيلزم نفيه عن الفرد المعيّن بطريق الكناية. وقرئ (مسجد الله) بالتوحيد، تصريحا بالمقصود، وهو المسجد الحرام، أشرف المساجد في الأرض، الذي بني من أول يوم على عبادة الله وحده، لا شريك له، وأسسه خليل الرحمن.

قال في (البصائر) : (يعمر) إما من العمارة التي هي حفظ البناء، أو من العمرة التي هي الزيارة، أو من قولهم: عمرت بمكان كذا أي أقمت به. انتهى.

شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أي بحالهم وقالهم، وهو حال من الضمير في يَعْمُرُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ وهذا كقوله تعالى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ، إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ

[الأنفال: ٣٤] ولهذا قال تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (٩) : آية ١٨]]

إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)

إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ أي لم يعبد إلا الله فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أي إلى الجنة. وإبراز اهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية، في معرض التوقع، لقطع أطماع الكفرة عن الوصول إلى مواقف الاهتداء، والانتفاع بأعمالهم التي يحسبون أنهم في ذلك محسنون، ولتوبيخهم بقطعهم أنهم مهتدون. فإن المؤمنين، ما بهم من هذه الكمالات، إذا كان أمرهم دائرا بين (لعلّ وعسى) ، فما بال الكفرة وهم هم، وأعمالهم أعمالهم!! وفيه لطف للمؤمنين، وترغيب لهم في ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء، ورفض الاغترار بالله تعالى. كذا حرره أبو السعود-.

وقال الناصر: وأكثرهم يقول: إن (عسى) من الله واجبة، بناء منهم على أن استعمالها غير مصروفة للمخاطبين. والحق أن الخطاب مصروف إليهم، كما قال الزمخشري. أي فحال هؤلاء المؤمنين حال مرجوّة، والعاقبة عند الله معلومة، ولله عاقبة الأمور.

<<  <  ج: ص:  >  >>