للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجذعان، لا ينفعان ولا يضران! ثم أنكر على مالك رأيه في ذلك وقال له: لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا، أرفعهم إلى ممتنع بلادهم، وعليا قومهم، ثم ألق الصبيان على متون الخيل شيئا، فإن كانت لك، لحق بك من ورائك، وإن كانت لغيرك، كنت قد أحرزت أهلك ومالك. قال: لا، والله لا أفعل ذلك، إنك قد كبرت، وكبر عقلك. والله لتطيعنّني يا معشر هوازن، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري! وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي. قالوا أطعناك. فقال دريد: هذا يوم لم أشهده، ولم يفتني. ثم قال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد. وبعث عيونا من رجاله فأتوه، وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ويلكم! ما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالا بيضا، على خيل بلق: والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. فو الله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد.

فلما سمع بهم نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلميّ يستعلم خبرهم، فجاءه وأطلعه على جلية الخبر، وأنهم قاصدون إليه، فاستعار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من صفوان بن أمية مائة درع- وقيل أربعمائة- وخرج في اثني عشر ألفا من المسلمين: عشرة آلاف الذين صحبوه من المدينة، وألفان من مسلمة الفتح، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، ومضى لوجهه، وفي جملة من اتبعه عباس بن مرداس والضحاك بن سفيان الكلابي، وجموع من عبس وذبيان، ومزينة، وبني أسد. ومرّ في طريقه بشجرة سدر خضراء، وكان لهم في الجاهلية مثلها، يطوف بها الأعراب ويعظمونها، ويسمونها ذات أنواط فقالوا «١» : يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط،

فقال لهم: قلتم كما قال قوم موسى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف: ١٣٨] والذي نفسي بيده! لتركبن سنن من كان قبلكم

. ثم نهض حتى أتى وادي حنين من أودية تهامة، وهو واد حزن فتوسطوه في غبش الصبح، وقد كمنت هوازن في جانبيه، فحملوا على المسلمين حملة رجل واحد فولى المسلمون لا يلوي أحد على أحد، وناداهم صلّى الله عليه وسلّم فلم يرجعوا، وثبت معه أبو بكر وعمر وعلي والعباس وأبو سفيان بن الحرث وابنه جعفر، والفضل وقثم ابنا العباس، وجماعة سواهم، والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم على بغلته البيضاء (دلدل) والعباس آخذ بشكائمها، وكان جهير الصوت فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينادي بالأنصار وأصحاب الشجرة، (قيل: والمهاجرين) فما سمعوا الصوت وذهبوا


(١) أخرجه الترمذي في: الفتن، ١٨- ما جاء: لتركبنّ سنن من كان قبلكم، عن أبي واقد الليثي.

<<  <  ج: ص:  >  >>