للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثر الفقهاء على أن هذه الآية كلام مبتدأ قصد به إيجاب أخذ الزكوات من الأغنياء، إذ هي حجتهم في إيجاب الزكاة، ثم نظر فيه بأن حملها على ما ذكروه يوجب ألا تنتظم الآية مع سابقها ولا حقها.

وأقول: لا ريب في ارتباط الآية بما قبلها، كما أفصحت عنه الرواية السابقة.

وخصوص سببها لا يمنع عموم لفظها، كما هو القاعدة في مثل ذلك. ولذا رد الصدّيق رضي الله عنه على من تأول من بعض العرب هذه الآية. أن دفع الزكاة لا يكون إلا للرسول صلوات الله عليه، لأنه المأمور بالأخذ، وبالصلاة على المتصدقين، فغيره لا يقوم مقامه- وأمر بقتالهم، فوافقته الصحابة، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة، كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاستدل من ذلك على وجوب دفع الزكاة إلى الإمام، ومثله نائبه، وهؤلاء المتأولون المرتدون غاب عنهم أن الزكاة إنما أوجبها الله تعالى سدّا لحاجة المعدم، وتفريجا لكربة الغارم، وتحريرا لرقاب المستعبدين، وتيسيرا لأبناء السبيل، فاستلّ بذلك ضغائن أهل الفاقة، على من فضلوا عليهم في الرزق، وأشعر قلوب أولئك محبة هؤلاء، وساق الرحمة في نفوس هؤلاء على أولئك البائسين، فالإمام لا خصوصية لذاته فيها، بل لأنه يجمع ما يرد منها لديه، فينفقها في سبلها المذكورة.

الخامس- استدل بقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ على ندب الدعاء للمتصدق.

قال الشافعي رحمه الله: السنة للإمام، إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق، ويقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعله طهورا، وبارك لك فيما أبقيت، وقال آخرون:

يقول: اللهم! صلّ على فلان، ويدل عليه ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى،

وكان من أصحاب الشجرة قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا أتاه قوم بصدقة قال: اللهم! صلّ عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم! صلّ على آل أبي أوفى. أخرجاه في الصحيحين «١»

. قال ابن كثير: وفي الحديث الآخر أن امرأة قالت: يا رسول الله! صلّ علي وعلى زوجي، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك.

أقول: وبهذين الحديثين يردّ على من زعم أن المراد ب صَلِّ عَلَيْهِمْ الصلاة على الموتى حكاه السيوطي في (الإكليل) .


(١) أخرجه البخاريّ في: الدعوات، ٣٢- باب هل يصلّى على غير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ حديث رقم ٨٠٠.
وأخرجه مسلم في: الزكاة، حديث رقم ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>