للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى الإمام أحمد «١» عن أبي رزين- واسمه لقيط بن عامر العقيليّ- قال: قلت يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق العرش بعد ذلك. ورواه الترمذي «٢»

وحسنه وقال: قال أحمد:

يريد بالعماء أنه ليس معه شيء.

وقال البيهقيّ في كتاب (الأسماء والصفات) : (العماء) ممدود كما رأيته مقيدا كذلك، ومعناه السحاب الرقيق، أي فوق سحاب، مدبرا له، وعاليا عليه. كما قال تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ [الملك: ١٦] ، يعني من فوق السماء. وقوله:

(ما فوقه هواء) أي ما فوق السحاب هواء. وكذلك قوله: (وما تحته هواء) أي ما تحت السحاب هواء.

وقد قيل: إن ذلك (العمى) مقصور، بمعنى لا شيء ثابت، لأنه مما عمي عن الخلق، فكأنه قال في جوابه: كان قبل أن يخلق الخلق، ولم يكن شيء غيره. و (ما) فيهما نافية. أي: ليس فوق العمى، الذي هو لا شيء موجود، هواء، ولا تحته هواء.

لأنه إذا كان غير موجود، فلا يثبت له هواء بوجه. انتهى ملخصا.

وقال ابن الأثير: العماء في اللغة: السحاب الرقيق، وقيل الكثيف، وقيل هو الضباب. وفي الحديث حذف، أي أين كان عرش ربنا؟ دل عليه قوله تعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ.

وحكى بعضهم أنه العمى المقصور. قال: وهو كل أمر لا يدركه الفطن.

وقال أبو عبيد: إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم، وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العماء!.

قال الأزهريّ: فنحن نؤمن به ولا نكيّف صفته.

وقوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي أخلصه، متعلق ب (خلق) أي:

خلقهن لحكمة بالغة، وهي أن يجعلهن مساكن لعباده، وينعم عليهم بفنون النعم، فيعبدوه وحده، ويتسابقوا في العمل الذي يرضيه. ولما كان الابتلاء والاختبار لمن تخفى عليه عاقبة الأمور، قيل: إنه هنا تمثيل واستعارة، فشبه معاملته تعالى عباده في خلق المنافع لهم، وتكليفهم شكره، وإثابتهم إن شكروا، وعقوبتهم إن كفروا-


(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ١١.
(٢) أخرجه الترمذي في: التفسير، ١١- سورة هود، حدثنا أحمد بن منيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>