للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة هود (١١) : آية ٢٧]]

فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧)

فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ أي السادة والكبراء. ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا أي لست بملك، ولكنك بشر، فكيف أوحى إليك من دوننا.

قال القاشانيّ: أي فقال الأشراف المليئون بأمور الدنيا، القادرون عليها، الذين حجبوا بعقلهم ومعقولهم عن الحق: ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا لكونهم ظاهريين، واقفين على حد العقل المشوب بالوهم، المتحير بالهوى، الذي هو عقل المعاش، ولا يرون لأحد طورا وراء ما بلغوا إليه من العقل، غير مطلعين على مراتب الاستعدادات والكمالات، طورا بعد طور، ورتبة فوق رتبة إلى ما لا يعلمه إلا الله، فلم يشعروا بمقام النبوة ومعناها.

وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا أي فقراؤنا الأدنون منا إذ المرتبة الرفعة عندهم بالمال والجاه، ليس إلا. كما قال تعالى يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ.

وقوله تعالى: بادِيَ الرَّأْيِ أي بديهة الرأي، لأنهم ضعاف العقول، عاجزون عن كسب المعاش، ونحن أصحاب فكر ونظر. قالوا ذلك لاحتجابهم بعقلهم القاصر عن إدراك الحقيقة، والفضيلة المعنوية، لقصر تصرفه على كسب المعاش، والوقوف على حده. وأما أتباع نوح عليه السّلام، فإنهم أصحاب همم بعيدة، وعقول حائمة حول القدس، غير ملتفتة إلى ما يلتفت غيرهم إليه، فلذلك استنزلوا عقولهم واستحقروها.

[تنبيه:]

(بادي) قرأه أبو عمرو بالهمزة، والباقون بالياء.

فأما الأول فمعناه أول الرأي. بمعنى أنه صدر من غير روية وتأمل، أول وهلة.

وأما الثاني فيحتمل أن أصله ما تقدم، فقلبت الياء عن الهمزة تخفيفا، ويحتمل أنها أصلية من بدا يبدو، كعلا يعلوا. والمعنى: ظاهر الرأي دون باطنه، ولو

<<  <  ج: ص:  >  >>