للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك وضعف، ومدّ عنقه، فجل ضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع والطاقة.

و (ذرعا) تمييز، لأنه خرج مفسّرا محوّلا، الأصل: ضاق ذرعي به، وشاهد الذراع قوله:

وإن بات وحشا ليلة لم يضق بها ... ذراعا ولم يصبح لها وهو خاشع

وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي شديد. وكيف لا يشتد عليه، وقد ألمّ المحذور، كما قال تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة هود (١١) : آية ٧٨]]

وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)

وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ أي يسرعون كأنما يدفعون دفعا. وقرئ مبنيا للفاعل. وَمِنْ قَبْلُ أي قبل مجيئهم كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أي الفواحش ويكثرونها، فمرنوا عليها، وقلّ عندهم استقباحها، فلذلك جاءوا مسرعين مجاهرين، لا يكفّهم حياء فالجملة معترضة لتأكيد ما قبلها. وقيل: إنها بيان لوجه ضيق صدره أي: لما عرف لوط عادتهم في عمل الفواحش قبل ذلك قالَ أي لوط يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ أراد أن يقي أضيافه ببناته، وذلك غاية الكرم، أي فتزوجوهن. أو كان ذلك مبالغة في تواضعه لهم، وإظهار لشدة امتعاضه، مما أوردوا عليه، طمعا في أن يستحيوا منه، ويرقّوا له إذا سمعوا ذلك فيتركوا ضيوفه- هذا ملخص ما في (الكشاف) ومن تابعه- وظاهر أنه، عليه السلام كان واثقا بأن قومه لا يؤثرونهن بوجه ما، مهما أطرى وأطنب، وشوّق ورغّب، فكان إظهاره وقاية ضيفانه، وفداءهم بهن، مع وثوقه المذكور وجزمه- مبالغة في الاعتناء بحمايتهم، وقياما بالواجب في مثل هذا الخطب الفادح الفاضح، الذي يدوم عاره وشناره، من الدفاع عنهم بأقصى ما يمكن لكيلا ينسب إلى قصور. وليعلم أن لا غاية وراء هذا لمن لا ركن له من عشيرة أو قبيلة، فذلك غاية الغايات في حيطتهم ووقايتهم.

وفي قوله: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ من التشويق، على مرأى من ضيفانه ومسمع، ما فيه من زيادة الكرم والإكرام، ورعاية الذمام. وبالجملة فهو ترغيب بمحال الوقوع باطنا، وإعذار لنزلائه ظاهرا- والله أعلم- وفي هذا إرشاد إلى التطهر بالطرق المسنونة، وهي النكاح. وإشارة إلى تناهي وقاحة أولئك بما استأهلوا به أخذهم الآتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>