للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا ما ذكر عن زين العابدين:

إني لأكتم من علمي جواهره ... كي لا يرى الحقّ ذو جهل فيفتتنا

الأبيات المعروفة، ذكرها عن زين العابدين، والغزالي في (منهاج العابدين) والديلميّ في كتاب (التصفية) وهذا يعقوب صلوات الله عليه أمر يوسف أن لا يقص رؤياه على إخوته، والمعنى واحد، فلا معنى لإنكار من ينكر ويزعم أن العلم لا يحل كتمه. انتهى.

ومقصوده أن خوف شر الأشرار من الصوارف عن الصدع بالحق.

قال السيد ابن المرتضى اليمانيّ في (إيثار الحق) : مما زاد الحق غموضا وخفاء خوف العارفين، مع قلتهم، من علماء السوء، وسلاطين الجور، وشياطين الخلق، مع جواز التقيّة عند ذلك، بنص القرآن، وإجماع أهل الإسلام. وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق، وما برح المحق عدوّا لأكثر الخلق.

وذكر رحمه الله قبل في الاستدلال على التقية أنه تعالى أثنى على مؤمن آل فرعون، مع كتم إيمانه، وسميت به سورة (المؤمن) . وصح أمر عمّار به، وتقريره عليه، ونزلت فيه: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النحل: ١٠٦] ، وقد صح عن أبي هريرة «١» أنه قال في ذلك العصر الأول: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته لكم، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. قال الغزاليّ في خطبة (المقصد الأسنى) : من خالط الخلق جدير بأنه يتحامى. لكن من أبصر الحق عسير عليه أن يتعامى. انتهى.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٦]]

وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)

وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ أي مثل ذلك الاصطفاء، بإراءة هذه الرؤيا العظيمة الشأن، يصطفيك للنبوة والسيادة وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أي تعبير المنامات، وإنما سمي التعبير تأويلا، لأنه جعل المرئيّ آئلا إلى ما يذكره المعبر بصدد التعبير وراجعا إليه. والأحاديث اسم جمع للحديث، سميت به الرؤيا لأنها إما حديث ملك أو نفس أو شيطان. وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ أي بما سيؤول إليه أمرك


(١) أخرجه البخاري في: العلم، ٤٢- باب حفظ العلم، حديث رقم ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>