للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تنبيه:]

لا يخفى أن قوله تعالى: قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ إلى هنا، مقدمة لجواب سؤالهما عن تعبير رؤياهما، مهد، عليه السلام، بها له ليدعوهما إلى التوحيد، ليزدادا علما بعظم شأنه، وثقة بأمره، توسلا بذلك إلى تحقيق ما يتوخاه من هدايتهما، لا سيما وأن أحدهما ستعاجله منيته بالصلب، فرجا أن يختم له بخير، قال الزمخشري: لما استعبراه ووصفاه بالإحسان، افترض ذلك، فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء، وهو الإخبار بالغيب، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام، وجعل ذلك تخلصا إلى أن يذكر لهما التوحيد، ويعرض عليهما الإيمان، ويزينه لهما، ويقبح إليهما الشرك بالله. وهذه طريقة، على كل ذي علم أن يسلكها مع الجهال والفسقة إذا استفتاه واحد منهم، أن يقدم الهداية والإرشاد والموعظة الحسنة والنصيحة أولا، ويدعوه إلى ما هو أولى به، وأوجب عليه مما استفتي فيه، ثم يفتيه بعد ذلك. وفيه، أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم، فوصف نفسه بما هو بصدده- وغرضه أن يقتبس منه، وينتفع به في الدين- لم يكن من باب التزكية.

انتهى.

وبعد تحقيق الحق، ودعوتهما إليه، وبيانه لهما مرتبة علمه، شرع في تفسير ما استفسراه. ولكونه بحثا مغايرا لما سبق، فصله عنه بتكرير الخطاب فقال:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٤١]]

يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١)

يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً أي يخرج من السجن، ويعود إلى ما كان عليه من سقي سيده الخمر، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ أي فيقتل ويعلق على خشبة، فتأكل الطير من لحم رأسه.

قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ أي قطع وتم ما تستفتيان فيه. يعني: مآله، وهو نجاة أحدهما، وهلاك الآخر. والتعبير عنه ب (الأمر) ، وعن طلب تأويله ب (الاستفتاء) تهويلا لأمره، وتفخيما لشأنه، إذ الاستفتاء إنما يكون في النوازل المشكلة الحكم، المبهمة الجواب، وإيثار صيغة الاستقبال، مع سبق استفتائهما في ذلك، لما أنهما بصدده، إلى أن يقضي عليه السلام من الجواب وطره.

<<  <  ج: ص:  >  >>