للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روي في المسند والصحيحين «١» مختصرا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي-

مدحه النبيّ صلى الله عليه وسلم على هذه الأناة، كان في طيّ هذه المدحة بالأناة والتثبت تنزيهه وتبرئته مما لعله يسبق إلى الوهم أنه همّ بامرأة العزيز همّا يؤاخذ به، لأنه إذا صبر وتثبت فيما له ألا يصبر فيه، وهو الخروج من السجن، مع أن الدواعي متوافرة على الخروج منه، فلأن يصبر فيما عليه أن يصبر فيه من الهم، أولى وأجدر- أفاده الناصر.

قال أبو السعود: وإنما لم يتعرض لامرأة العزيز، مع ما لقي منها ما لقي، من مقاساة الأحزان، محافظة على مواجب الحقوق، واحترازا عن مكرها، حيث اعتقدها مقيمة في عدوة العداوة، وأما النسوة فقد كان يطمع في صدعهن بالحق وشهادتهن بإقرارها بأنها راودته عن نفسه فاستعصم، ولذلك اقتصر على وصفهن بتقطيع الأيدي، ولم يصرح بمراودتهن له، وقولهن (أطع مولاتك) واكتفى بالإيماء إلى ذلك بقوله: إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ يعني ما كدنه به، وفي إضافة علمه إلى الله إشارة إلى عظمه، وأن كنهه غير مأمول الوصول إليه، لكن ما لا يدرك كله، لا يترك كله. وفيه تشويق وبعث على معرفته، فهو تتميم لقوله: (اسأل) ، ودلالة على أنه برىء مما قرف به للاستشهاد بعلمه تعالى عليه، وفيه الوعيد لهن على كيدهن، وأنه تعالى مجاز عليه، وقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٥١]]

قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)

قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ استئناف مبني على السؤال، كأنه قيل: فماذا كان بعد ذلك؟ فقيل: قال الملك: ما خطبكن- أي شأنكن- إذ راودتن يوسف يوم الضيافة؟ يعني: هل وجدتن منه ميلا إليكن؟


(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ٣٢٦.
وأخرجه البخاريّ في: الأنبياء، ١١- باب قوله عز وجل: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ، حديث رقم ١٥٩٣.
وأخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>