للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ

أي عهدا منه، ويمينا به، لتردنّه عليّ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ أي تغلبوا كلكم، فلا تقدرون على تخليصه. وأصله من: (أحاط به العدوّ) سدّ عليه مسالك النجاة ودنا ملاكه.

فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ أي شهيد رقيب. والقصد حثهم على ميثاقهم بتخويفهم من نقضه بمجازاته تعالى.

قال ابن إسحاق: وإنما فعل ذلك لأنه لم يجد بدّا من بعثهم لأجل الميرة التي لا غنى بهم عنها.

[لطيفة:]

قال الناصر: ولقد صدقت هذه القصة المثل السائر، وهو قولهم: (البلاء موكل بالمنطق) فإن يعقوب عليه السلام قال أولا في حق يوسف: وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ [يوسف: ١٣] ، فابتلي من ناحية هذا القول. وقال هاهنا ثانيا: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ أي تغلبوا عليه. فابتلي أيضا بذلك، وأحيط بهم وغلبوا عليه. انتهى.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة يوسف (١٢) : آية ٦٧]]

وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧)

وَقالَ أي أبوهم: يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ أي لئلا يستلفت دخولهم من باب واحد، أنظار من يقف عليه من الجند، ومن يعسّ للحاكم، فيريب بهم، لأن دخول قوم على شكل واحد، وزيّ متحد، على بلدهم غرباء عنه، مما يلفت نظر كل راصد. وكانت المدن وقتئذ مبوّبة لا ينفذ إليها إلا من أبوابها، وعلى كل باب حرسه، وليس دخول الفرد كدخول الجمع في التنبه، واتباع البصر. وقيل: نهاهم لئلا تصيبهم العين إذا دخلوا كوكبة واحدة- وسيأتي بيانه-.

وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي لا أدفع عنكم بتدبيري شيئا مما قضى عليكم، فإن الحذر لا يمنع القدر.

قال أبو السعود: ولم يرد به عليه السلام إلغاء الحذر بالمرة، كيف لا وقد قال عزّ قائلا: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: ١٩٥] ، وقال: خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: ٧١ و ١٠٢] . بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب

<<  <  ج: ص:  >  >>