للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو مستخف بالليل ومن سارب بالنهار. وحذف الموصول المعطوف وبقاء صلته شائع. خصوصا وقد تكرر الموصول في الآية ثلاثا. ومنه قوله تعالى وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف: ٩] . والأصل: ولا ما يفعل بكم. وإلّا كان حرف النفي دخيلا في غير موضعه. لأن الجملة الثانية لو قدرت داخلة في صلة الأول بواسطة العاطف، لم يكن للنفي موقع وإنما صحب في الأول الموصول لا الصلة، ومنه قول حسان رضي الله عنه:

فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء!

أي: ومن يمدحه وينصره.

وهذا الأخير نقله الناصر في (الانتصاف) وهو وجيه جدا. وأما تضعيف غيره له، بلزوم حذف الموصول وصدر الصلة معا، وأن النجاة، وإن ذكروا جواز كل منهما، لكن اجتماعهما منكر- فهو المنكر. لأن أسلوب التنزيل هو الحجة، وإليه التحاكم في كل فنّ ومحجّة، والجمود على القواعد ورد ما خالفها، إليها- من التعصّب واللجاج، والغفلة عن مقام التنزيل في الاحتجاج!.

وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الرعد (١٣) : آية ١١]]

لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١)

لَهُ مُعَقِّباتٌ أي: لمن أسرّ أو جهر أو استخفى أو سرب، ملائكة يتعاقبون عليه مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أي من جوانبه كلها، أو من أعماله، ما قدم وأخر يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي: يراقبون ما يلفظ من قول وما يأتي من عمل، خيرا أو شرّا، بأمره وإذنه، أو من أجل أمره لهم بحفظه. ف (من) تعليلية أو بمعنى باء السببيّة ولا فرق بين العلة والسبب عند النجاة، وإن فرق بينهما أهل المعقول.

وفي (الصحيح) «١» : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر. فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم، وهو أعلم


(١) أخرجه البخاريّ في: مواقيت الصلاة، ١٦- باب فضل صلاة العصر، حديث رقم ٣٥٩. عن أبي هريرة.
ومسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، ٣٧- باب فضل صلاتي الصبح والعصر، والمحافظة عليهما، حديث رقم ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>