للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤُلاءِ

أي التي علمتها آدم. وإنما استنبأهم، وقد علم عجزهم عن الإنباء، تبكيتا لهم، وإظهارا لعجزهم عن إقامة ما علقوا به رجاءهم من أمر الخلافة. فإن التصرف والتدبير، وإقامة المعدلة، بغير وقوف على مراتب الاستعدادات، ومقادير الحقوق، مما لا يكاد يمكن إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة ممن استخلفته، كما ينبئ عنه مقالكم. والتصديق كما يتطرق إلى الكلام باعتبار منطوقه، قد يتطرق إليه باعتبار ما يلزمه من الأخبار. فإن أدنى مراتب الاستحقاق، هو الوقوف على أسماء ما في الأرض. ولما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم، وبدت لهم هفوة زلتهم، أنابوا إلى الله تعالى بالتوبة، وذلك ما أفاده قوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٣٢]]

قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)

قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه، إلا بما شاء. وأن يعلموا شيئا إلا ما علمهم الله تعالى. واعتراف منهم بالعجز والقصور عما كلفوه. وأنه العالم بكل المعلومات التي من جملتها استعداد آدم عليه السلام، لما نحن بمعزل من الاستعداد له، من العلوم الخفية المتعلقة بما في الأرض من أنواع المخلوقات التي عليها يدور فلك خلافة الحكيم الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة. ومن جملته تعليم آدم عليه السلام ما هو قابل له من العلوم الكلية، والمعارف الجزئية، المتعلقة بالأحكام الواردة على ما في الأرض، وبناء أمر الخلافة عليها.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٣٣]]

قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣)

قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ أي أعلمهم بِأَسْمائِهِمْ التي عجزوا عن علمها فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ عز وجل تقريرا لما مر من الجواب الإجماليّ واستحضارا له أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إيراد ما لا تعلمون بعنوان الغيب مضافا إلى السموات والأرض للمبالغة في بيان كمال شمول علمه المحيط، وغاية سعته مع الإيذان بأن ما ظهر من عجزهم، وعلم آدم عليه السلام، من الأمور المتعلقة بأهل السموات والأرض. وهذا دليل واضح على أن المراد بما لا تعلمون، فيما سبق، ما

<<  <  ج: ص:  >  >>