للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبِيلِ اللَّهِ

بتعويق الناس عن الإيمان وَيَبْغُونَها عِوَجاً أي يصفونها بالانحراف عن الحق والصواب، أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة، أو يبغون لها اعوجاجا، أي يطلبون أن يروا فيها عوجا قادحا، على الحذف والإيصال أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أي: ضلّوا عن طريق الحق ووقفوا دونه بمراحل، والبعد في الحقيقة للضال نفسه، وصف به فعله للمبالغة، بجعل الضلال نفسه ضالا. وفي إيثار الظرف على (أولئك ضالّون ضلالا بعيدا) دلالة على تمكّنهم فيه، باشتماله عليهم اشتمال المحيط على المحاط، مبالغة في إثبات وصف الضلال. وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤]]

وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)

وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أي: ليفقهوا عنه ما يدعوهم إليه فلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولوا: لم نفهم ما خوطبنا به كما قال: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ [فصلت: ٤٤] . (فإن قلت) : لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العرب وحدهم، وإنما بعث إلى الناس جميعا قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: ١٥٨] ، بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة. فإن لم تكن للعرب حجة، فلغيرهم الحجة. وإن لم تكن لغيرهم حجة، فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضا. (قلت) : لا يخلو إما أن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها، فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل فبقي أن ينزل بلسان واحد فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول لأنهم أقرب إليه. فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر، قامت التراجم ببيانه وتفهيمه، كما ترى الحال وتشاهدها من نيابة التراجم في كل أمة من أمم العجم، مع ما في ذلك من اتفاق أهل البلاد المتباعدة والأقطار المتنازحة والأمم المختلفة والأجيال المتفاوتة على كتاب واحد، واجتهادهم في تعلّم لفظه وتعلّم معانيه، وما يتشعّب من ذلك من جلائل الفوائد، وما يتكاثر في إتعاب النفوس وكدّ القرائح فيه، من القرب والطاعات المفضية إلى جزيل الثواب، ولأنه أبعد من التحريف والتبديل وأسلم من التنازع والاختلاف، ولأنه لو نزل بألسنة الثقلين كلها مع اختلافها وكثرتها، وكان مستقلا بصفة الإعجاز في كل واحد منها، وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها، كما كلم أمته التي هو منها يتلوه عليهم معجزا- لكان ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>