للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرا قريبا من الإلجاء. ومعنى بِلِسانِ قَوْمِهِ بلغة قومه- كذا في (الكشاف) .

وقال بعض المحققين: يقول قائل: ألا تدل هذه الآية على أن بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت للعرب خاصة؟ نقول: لا. لأنه جرت سنة الله أن يختار أمة واحدة ويعدّها لتهذيب الأمم الأخرى. كما يعد فردا واحدا منها لتهذيب سائر أفرادها. ولما كانت الأمة العربية هي المختارة لتهذيب الأمم وتعديل عوجها وإقامة منار العدل في ذلك العالم المظلم- فقد وجب أن التهذيب الإلهي ينزل بلغتها خاصة حتى تستعد وتتهيّأ لأداء وظيفتها. وقد أتم الله نعمته عليها، فقامت بما عهد إليها بما أدهش العالم أجمع، ولله في خلقه شؤون.

[تنبيه:]

استدل بالآية من ذهب إلى أن اللغات اصطلاحية. قال: لأنها لو كانت توقيفيّة لم تعلم إلّا بعد مجيء الرسول، والآية صريحة في علمها قبله.

وقوله تعالى: فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ أي لمباشرته أسبابه المؤدية إليه، أو يخذله ولا يلطف به لعلمه أنه لا ينجع فيه الإلطاف. وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ لما فيه من الإنابة والإقبال إلى الحق. و (الفاء) فصيحة، كأنه قيل: فبيّنوه، فأضلّ الله من شاء إضلاله وهدى من شاء. والحذف للإيذان بأن مسارعة كلّ رسول إلى ما أمر به، وجريان كل من أهل الخذلان والهداية على سنته، أمر محقق غني عن الذكر والبيان وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي: فلا يغالب، ولا يقضي إلا بما فيه الحكمة.

ثم أشير إلى تفصيل ما أجمل في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة إبراهيم (١٤) : آية ٥]]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ أي: أنذرهم بوقائعه التي وقعت على الأمم قبلهم، كقوم نوح ولوط. ومنه: أيام العرب، لحروبها وملاحمها، لأنها تعظم بها الأيام. وقيل: أيامه نعماؤه عليهم، فتكون الآية بعدها تفصيلا لها. وقيل: هي أعمّ من النعماء والبلاء. والوجه الأول أولى، فيما أراه لاختصاص كل آية بمقام، والتأسيس خير من التأكيد. وفي الالتفات

<<  <  ج: ص:  >  >>