للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حال من ظن أن أحدا لا يحلف حانثا. وهكذا فعل آدم عليه السلام، فإنه أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها ناسيا لنص القرآن، ومتأولا وقاصدا إلى الخير، لأنه قدّر أنه يزداد حظوة عند الله فيكون ملكا مقربا أو خالدا فيما هو فيه أبدا. فأداه ذلك إلى خلاف ما أمره الله به، وكان الواجب أن يحمل أمر ربه على ظاهره، لكن تأول وأراد الخير فلم يصبه. ولو فعل هذا عالم من علماء المسلمين لكان مأجورا، ولكن آدم لما فعل وأخرج عن الجنة إلى الدنيا، كان بذلك ظالما لنفسه. وقد سمى الله تعالى قاتل الخطأ قاتلا، كما سمى العامد. والمخطئ لم يعمد معصية. وجعل في مثل الخطأ عتق رقبة، وهو لم يعمد ذنبا. انتهى.

وقال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية وجماعة من المتأخرين: الصواب أن آدم عليه السلام، لما قاسمه عدو الله أنه ناصح، وأكد كلامه بأنواع من التأكيدات:

أحدها القسم. والثاني الإتيان بجملة اسمية لا فعلية. والثالث تصديرها بأداة التأكيد. الرابع الإتيان بلام التأكيد في الخبر. الخامس الإتيان به اسم فاعل لا فعلا دالا على الحدث. السادس تقدم المعمول على القليل فيه. ولم يظن آدم أن أحدا يحلف بالله كاذبا يمين غموس، فظن صدقه، وأنه إن أكل منها لم يخرج من الجنة، ورأى أن الأكل، وإن كان فيه مفسدة، فمصلحة الخلود أرجح، ولعله يتأتى له استدراك مفسدة اليمين في أثناء ذلك باعتذار أو توبة، كما تجد هذا التأويل في نفس كل مؤمن أقدم على معصية.

قال ابن مفلح: فآدم عليه السلام لم يخرج من الجنة إلا بالتأويل، فالتأويل لنص الله أخرجه، وإلا فهو لم يقصد المعصية، والمخالفة، وأن يكون ظالما مستحقا للشفاء. انتهى.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٣٦]]

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦)

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها أي أذهبهما عن الجنة، وأبعدهما. يقال: زلّ عن مرتبته، وزل عني ذاك، إذا ذهب عنك، وزلّ من الشهر كذا. وقال ابن جرير:

فأزلهما، بتشديد اللام، بمعنى استزلهما، من قولك زل الرجل في دينه، إذا هفا فيه وأخطأ، فأتى ما ليس له إتيان فيه، وأزله غيره إذا سبب له ما يزل من أجله في دينه أو

<<  <  ج: ص:  >  >>