للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكل. و (اليقين) : الموت. فإنه متقين اللحوق بكل حيّ مخلوق. وإسناد الإتيان إليه، للإيذان بأنه متوجه إلى الحيّ طالب للوصول إليه. والمعنى دم على العبادة ما دمت حيا.

كقوله تعالى في سورة مريم: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا [مريم: ٣١] .

وقيل: المراد ب (اليقين) تعذيب هؤلاء وأن ينزل بهم ما وعده. ولا ريب أنه من المتيقن. إلا أن إرادة الموت منه، أولى. يدلّ له قوله تعالى إخبارا عن أهل النار:

قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ [المدثر: ٤٣ و ٤٧] ، وما

في الصحيح عن أم العلاء، امرأة من الأنصار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات، قالت أم العلاء: رحمة الله عليك، أبا السائب! فشهادتي عليك، لقد أكرمك الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله! فمن؟ فقال: أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير «١» .

[تنبيه:]

قال الحافظ ابن كثير: يستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ على أن العبادة، كالصلاة ونحوها، واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا، كما

في صحيح البخاري «٢» عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: صلّ قائما. فإن لم تستطع فقاعدا. فإن لم تستطع فعلى جنب.

ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة.

فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل. فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم، أعلم الناس بالله، وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا، مع هذا، أعبد الناس وأكثرهم مواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة. انتهى.


(١) أخرجه البخاريّ في: الجنائز، ٣- باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كنفه، الحديث رقم ٦٦٦.
(٢) أخرجه البخاريّ في: تقصير الصلاة، ١٧- باب صلاة القاعد، حديث رقم ٦١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>