للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ أي اللذين فيهما، مع ذلك، مزيد التلذذ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي يخرجها بهذا الماء الواحد، على اختلاف صنوفها وطعومها وألوانها وروائحها.

ولهذا قال: إِنَّ فِي ذلِكَ أي في إنزال الماء وإنبات ما فصّل لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أي دلالة وحجة على وحدانيته تعالى. كما قال سبحانه أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل: ٦٠] .

قال أبو السعود- وأصله للرازيّ في شرح كون ما ذكره حجة-: فإن من تفكر في أن الحبة أو النواة تقع في الأرض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أسفلها فيخرج منه عروق تنبسط في أعماق الأرض وينشق أعلاها وإن كانت منتكسة في الوقوع. ويخرج منه ساق فينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار والحبوب والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الأشكال والألوان والخواصّ والطبائع، وعلى نواة قابلة لتوليد الأمثال على النمط المحرر، لا إلى نهاية. مع اتحاد المواد واستواء نسبة الطبائع السفلية والتأثيرات العلوية، بالنسبة إلى الكل- علم أن من هذه أفعاله وآثاره، لا يمكن أن يشبهه شيء، في شيء من صفات الكمال. فضلا عن أن يشاركه أخس الأشياء في أخص صفاته، التي هي الألوهية واستحقاق العبادة. تعالى عن ذلك علوّا كبيرا. وحيث افتقر سلوك هذه الطريقة إلى ترتيب المقدمات الفكرية، قطع الآية الكريمة بالتفكر. انتهى. وقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النحل (١٦) : آية ١٢]]

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢)

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أي لمنامكم ومعاشكم ولعقد الثمار وإنضاجها وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لإصلاح ما نيط بهما صلاحه من المكونات وَالنُّجُومُ ليهتدى بها في ظلمات البر والبحر. وقوله تعالى: مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ حال من الجميع. على معنى جعلها مسخرات. لأن في التسخير معنى (الجعل) فصحت على أنه تجريد.

أو على أن التسخير لهم نفع خاص.

فمعناه نفعكم حال كونها مسخرات لما خلقت له، مما هو طريق لنفعكم. ف (سخر) بمعنى (نفع) على الاستعارة أو المجاز المرسل. لأن النفع من لوازم

<<  <  ج: ص:  >  >>