للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاعل مستمرة في الفعل لغابر الدهر.

وقال وليّ الله الدهلويّ، قدس سره، في أصول التفسير، في فصل الكلام على معرفة أسباب النزول:

شرط المفسر أمران:

الأول: ما تعرض له الآيات من القصص، فلا يتيسر فهم الإيماء بتلك الآيات إلا بمعرفة تلك القصص.

والثاني: ما يخصص العام من القصة، أو مثل ذلك من وجوه صرف الكلام عن الظاهر، فلا يتيسر فهم المقصود من الآيات بدونها.

ومما ينبغي أن يعلم أن قصص الأنبياء السالفين لا تذكر في الحديث إلا على سبيل القلة، فالقصص الطويلة العريضة التي تكلف المفسرون روايتها، كلها منقولة عن علماء أهل الكتاب إلا ما شاء الله تعالى. انتهى.

فإذن، لا يخفى أن من وجوه التفسير معرفة القصص المجملة في غضون الآيات الكريمة، ثم ما كان منها غير إسرائيليّ. كالذي جرى في عهده صلى الله عليه وسلم، أو أخبر عنه. فهذا تكفّل ببيانه المحدثون. وقد رووه بالأسانيد المتصلة، فلا مغمز فيه.

وأما ما كان إسرائيليا، وهو الذي أخذ جانبا وافرا من التنزيل العزيز، فقد تلقى السلف شرح قصصه، إما مما استفاض على الألسنة ودار من نبئهم، وإما من المشافهة عن الإسرائيليين الذين آمنوا. وهؤلاء كانوا تلقفوا أنباءها عن قادتهم. إذ الصحف كانت عزيزة لم تتبادلها الأيدي، كما هو في العصور الأخيرة. واشتهر ضنّ رؤسائهم بنشرها لدى عمومهم، إبقاء على زمام سيطرتهم، فيروون ما شاؤوا غير مؤاخذين ولا مناقشين. فذاع ما ذاع.

ومع ذلك فلا مغمز على مفسرينا الأقدمين في ذلك، طابق أسفارهم أم لا، إذ لم يألوا جهدا في نشر العلم وإيضاح ما بلغهم وسمعوه. إما تحسينا للظن في رواة تلك الأنباء وأنهم لا يروون إلا الصحيح، وإما تعويلا على ما

رواه الإمام أحمد والبخاريّ والترمذيّ عن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» «١»

ورواه أبو داود أيضا بإسناد صحيح عن


(١)
أخرجه البخاريّ في الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل. عن عبد الله بن عمرو أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «بلغوا عني ولو آية. وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>