للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصفا ذهبا. وأن ينحّي الجبال عنهم فيزرعوا. فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن يأتيهم الذي سألوا. فإن كفروا، هلكوا كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم. قال: لا بل استأني بهم «١» ، وأنزل الله قوله تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ الآية.

ورواه النسائي.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٠]]

وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠)

وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ أي علما، فلا يخفى عليه شيء من كفرهم وتكذيبهم. ومنه ما جرى منهم، إثر الرؤيا والإخبار بالشجرة، من الجحود والهزء واللغو. كما قال سبحانه: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ قال الأكثرون:

يعني ما رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من الآيات. فلما ذكرها النبيّ صلى الله عليه وسلم للناس، أنكر بعضهم ذلك وكذّبوا. وجعل الله ذلك ثباتا ويقينا للمخلصين. فكانت فتنة، أي اختبارا وامتحانا، وتمسك بهذا من جعل الإسراء مناما، لكون الرؤيا مخصوصة بالمنام. وأجيب بأن قوله تعالى: إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ يرده. لأن رؤيا المنام لا يفتتن بها أحد ولا يكذّب. وجاء في اللغة (الرؤيا بمعنى الرؤية مطلقا) وهو معنى حقيقيّ لها.

وقيل: إنها حقيقة في رؤيا المنام ورؤيا اليقظة ليلا. وقد ذكر السهيلي أنه ورد في كلام العرب بهذا المعنى. وأنه كالقربى والقربة. وقيل: إنه مجاز، إما مشاكلة لتسميتهم له رؤيا، أو جار على زعمهم. أو على التشبيه بها لما فيها من خرق العادة.

أو لوقوعها ليلا. أو لسرعتها. أفاده الشهاب.

وروى الطبري عن الحسن في الآية هذه قال: أسري به صلى الله عليه وسلم عشاء إلى بيت المقدس فصلى فيه وأراه الله ما أراه من الآيات. ثم أصبح بمكة فأخبرهم أنه أسرى به إلى بيت المقدس. فقالوا له: يا محمد! ما شأنك؟ أمسيت فيه ثم أصبحت فينا تخبرنا أنك أتيت بيت المقدس؟ فعجبوا من ذلك حتى ارتد بعضهم عن الإسلام.

وقال قوم: الآية في رؤياه صلى الله عليه وسلم التي رأى أنه يدخل مكة.

فروى البريّ عن ابن عباس. قال: يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أنه دخل مكة هو وأصحابه. وهو يومئذ بالمدينة. فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة. قبل الأجل: فرده المشركون. فقالت


(١) أخرجه في المسند ١/ ٢٥٨ والحديث رقم ٢٣٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>