للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كعوض ماليّ، أو معنويّ كثناء جميل، أو خدمة واستمتاع، كما في النفقة على الأهل. وما كان لعوض ماليّ كان مبادلة لا مباذلة. أو هو بالنظر إلى الأغلب، وتنزيل غيره منزلة العدم كما قيل:

عدّنا في زماننا ... عن حديث المكارم

من كفى الناس شرّه ... فهو في جود حاتم

أفاده الشهاب.

وقال ابن كثير: إن الله تعالى يصف الإنسان من حيث هو. إلا من وفّقه الله وهداه، فإن البخل والجزع والهلع صفة له. كما قال تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج: ١٩- ٢٢] ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز.

الثالث: ذكر هذه الآية إثر ما قبلها، لتقرير انفراده تعالى بملك خزائن الرحمة، وسعة كرمه وجوده وإحسانه. كما انفرد بتلك القدرة الباهرة من خلق السموات والأرض، كي تنجلي لهم قدرته العظمى، وسعة خزائنه الملأى. فيصلوا بذلك إلى اليقين بصحة ما ادعاه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحقية ما يدعوهم إليه.

وذكر هذا المعنى في أسلوب بيان ما فطر عليه الإنسان، تذكيرا له بنقصه وضعفه، وإشفاقه وحرصه. ليعلم أنه غير مخلوق سدى، يخلّى بينه وبين ما تتقاضاه به نفسه وهواه. والمعنى: أفلا تعتبرون بسعة رحمته وعميم فضله، مما يبرهن على وحدانيته في ألوهيته، ولا ترون ما أنتم عليه من أنكم لو ملكتم ما لا نفاد له من خزائنه، لضننتم بها. مما يدلكم على أنه هو مالك الملك، وأنكم مسخّرون لأمره.

وهذه الآية كقوله تعالى أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً أي لو أن لهم نصيبا في ملك الله، لما أعطوا أحدا شيئا ولا مقدار نقير.

وقد جاء في الصحيحين «١» : (يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه) .

وقوله تعالى:


(١) أخرجه البخاريّ في: التوحيد، ١٩- باب حدثنا معاذ بن فضالة حديث ٢٠١٢، عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم في: الزكاة، حديث رقم ٣٦ و ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>