للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليها وسكناها وهي فلسطين، وقوله تعالى: فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً أي فحاق به مكره. لأنه تعقبهم بجنوده بعد ما أذن لهم بالسفر من مصر إلى فلسطين، ليرجعهم إلى عبوديته، فدمره الله تعالى وجنوده بالإغراق وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد إغراقه لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ وهي أرض كنعان، بلد أبيهم إسرائيل التي وعدوا بها.

قال ابن كثير: في هذا بشارة للنبيّ صلى الله عليه وسلم. بفتح مكة، مع أن السورة مكية نزلت قبل الهجرة. وكذلك وقع فإن أهل مكة هموا بإخراج الرسول منها كما قال تعالى وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها [الإسراء: ٧٦] . ولهذا أورث الله رسوله مكة فدخلها عنوة، على أشهر القولين، وقهر أهلها ثم أطلقهم حلما وكرما. كما أورث الله القوم، الذين كانوا يستضعفون من بني إسرائيل، مشارق الأرض ومغاربها وأورثهم بلاد فرعون وأموالهم وزروعهم وثمارهم وكنوزهم كما قال كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ [الشعراء: ٥٩] وقال هاهنا وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ وقوله تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ أي قيام الساعة جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً أي جمعا مختلطين أنتم وعدوّكم. ثم يحكم بينكم ويميز بين سعدائكم وأشقيائكم. ثم نزه سبحانه ساحة القرآن أن يكون مفترى. وبيّن اشتماله على ما يلائم الفطر ويطابق الواقع، بقوله سبحانه:

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]

وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦)

وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ أي بالحقيقة أنزلناه كتابا من لدنّا فأين تذهبون؟ كما قال تعالى لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ [النساء: ١٦٦] ، وَبِالْحَقِّ نَزَلَ أي متلبسا بالحق الذي هو ثبات نظام العالم على أكمل الوجوه. وهو ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام ومحاسن الأخلاق وكل ما خالف الباطل. كقوله تعالى لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت: ٤٢] ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً وَقُرْآناً فَرَقْناهُ أي نزلناه مفرقا منجما.

وقرئ بالتشديد. والقراءتان بمعنى لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ أي على مهل وتؤدة وتثبت، فإنه أيسر للحفظ وأعون في الفهم وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا أي من لدنّا على حسب الأحوال والمصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>