للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ

أي ما جعلني فيه مكينا من المال والملك، أجلّ مما تريدون بذله. فلا حاجة بي إليه فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أي بعملة وصنّاع وآلات أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً أي حاجزا حصينا. وأصل معنى الردم سد الثلمة بالحجارة ونحوها.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٦ الى ٩٨]

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨)

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ أي ناولوني قطعه حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ أي بين جانبي الجبلين قالَ انْفُخُوا أي في الأكوار والحديد حَتَّى إِذا جَعَلَهُ أي المنفوخ فيه ناراً أي كالنار بالإحماء قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً أي نحاسا مذابا ليلصق بالحديد، ويتدعم البناء به ويشتد فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ أي يعلوه بالصعود لارتفاعه وملاسته وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً لثخنه وصلابته قالَ هذا أي السد رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي على القاطنين عنده. لأمنهم من شر من سدّ عليهم به، ورحمة على غيرهم، لسد الطريق عليهم فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي بدحره وخرابه جَعَلَهُ دَكَّاءَ بالمد أي أرضا مستوية، وقرئ (دكّا) أي مدكوكا مسوّي بالأرض. وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا أي كائنا لا محالة. وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين.

[تنبيهات:]

الأول: قدمنا أنه ليس في القرآن شيء من التاريخ من حيث هو قصص وأخبار.

وإنما هي الآيات والعبر والأحكام والآداب تجلت في سياق الوقائع. ولذا يجب صرف العناية إلى وجوه تلك الفوائد والثمرات، وما يستنبط من تلك الآيات. وقد أشار نبأ ذي القرنين الإسكندر إلى فوائد شتى. نذكر ما فتح علينا منها، ونكل ما لم نحط به علما إلى العليم الخبير.

فمن فوائدها: الاعتبار برفع الله بعض الناس درجات على بعض. ورزقه من يشاء بغير حساب ملكا ومالا. لما له من خفيّ الحكم وباهر القدرة. فلا إله سواه.

ومنها: الإشارة إلى القيام بالأسباب، والجري وراء سنة الله في الكون من الجد والعمل. وأن على قدر بذل الجهد يكون الفوز والظفر فإن ما قص عن الإسكندر من ضربه في الأرض إلى مغرب الشمس، ومطلعها وشمالها وعدم فتوره ووجدانه اللذة في

<<  <  ج: ص:  >  >>