للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ٢٣]]

فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣)

فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ أي: فألجأها ألم الولادة إلى الاستناد بالجذع لتعتمد عليه وتستتر به. و (أجاء) - قال الزمخشريّ- منقول من (جاء) إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء. وقرئ (المخاض) بكسر الميم وكلاهما مصدر (مخضت المرأة) إذا تحرك الولد في بطنها للخروج قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا أي الحمل وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا أي شيئا تافها، شأنه أن ينسى ولا يعتد به. منسيّا لا يخطر على بال أحد. وهو نعت للمبالغة. وإنما قالت ذلك، لما عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود، الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد. فلحقها فرط الحياء وخوف اللائمة إذا بهتوها وهي عارفة ببراءة الساحة، وبضد ما قرفت به، من اختصاص الله إياها بغاية الإجلال والإكرام- قال الزمخشريّ- لأنه مقام دحض، قلما تثبت عليه الأقدام، أن تعرف اغتباطك بأمر عظيم وفضل باهر، تستحق به المدح وتستوجب التعظيم، ثم تراه عند الناس لجهلهم به- عيبا يعاب به ويعنف بسببه.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ٢٤]]

فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)

فَناداها مِنْ تَحْتِها أي من مكان أسفل منها، تحت أكمة، وهو جبريل.

وقيل: هو عيسى، وقرئ (من) بفتح الميم موصولة أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا أي سيدا نبيلا رفيعا، وقيل: نهرا يسري.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة مريم (١٩) : آية ٢٥]]

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥)

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا أي حضر أوان اجتنائه.

قال الزمخشريّ: فإن قلت: ما كان حزنها لفقد الطعام والشراب حتى تسلّى بالسريّ والرطب! قلت: لم تقع التسلية بهما من حيث إنهما طعام وشراب، ولكن من حيث إنهما معجزتان تريان الناس أنها من أهل العصمة، والبعد من الريبة، وأمن مثلها، مما

<<  <  ج: ص:  >  >>