للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المهلكة عند إعطاء ما اقترحوه من الآيات. أفهؤلاء يؤمنون لو أجيبوا إلى ما سألوا، وأعطوا ما اقترحوا، مع كونهم أعتى منهم وأطغى. وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بالمقترح للإبقاء عليهم. إذ لو أتى به ولم يؤمنوا، استوجبوا عذاب الاستئصال، كمن قبلهم. وقدمنا أن رقيّ النوع البشري في العهد النبويّ، اقتضى أن تكون الآية عقلية، لا كونية. فتذكر.

ثم أوضح جواب شبهتهم في منافاة البشرية للرسالة، بقوله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنبياء (٢١) : آية ٧]]

وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧)

وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ أي لا ملائكة. وقرئ بالياء وفتح الحاء فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أي العلماء بالتوراة والإنجيل إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي أن الرسل بشر، فيعلموكم إن المرسلين لم يكونوا ملائكة. وفي الآية دليل على جواز الاستظهار بأقوال أهل الكتاب ومروياتهم، لحجّ الخصم وإقناعه.

[تنبيه:]

قال الرازيّ: فأما ما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية، في أن للعاميّ أن يرجع إلى فتيا العلماء، وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر- فبعيد. لأن هذه الآية خطاب مشافهة. وهي واردة في هذه الواقعة المخصوصة. ومتعلقة باليهود والنصارى على التعيين. انتهى.

ثم بيّن تعالى كون الرسل كسائر الناس، في أحكام الطبيعة البشرية، بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨]]

وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨)

وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ أي جسدا مستغنيا عن الطعام، بل محتاجا إلى ذلك لجبر ما فات بالتحليل كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الفرقان: ٢٠] ، وفي هذا التعريف الربانيّ عن حال المرسل، أكبر رادع لأولئك المنزوين عن الناس المتصيدين

<<  <  ج: ص:  >  >>