للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ إشعار بظلم من يقول تلك العظيمة. كيف لا؟ وقد استهان برتبة الإلهية وجاوز بها مقامها الأسمى.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣٠]]

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠)

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ.

هذا شروع في آياته الكونية، الدالة على وحدته في ألوهيته، التي عمي عنها المشركون، فلم يروها رؤية اعتبار وتدبر. ومعنى قوله: كانَتا رَتْقاً أي لا تمطر ولا تنبت فَفَتَقْناهُما أي بالمطر والنبات. فالفتق والرتق استعارة. ونظيره قوله تعالى:

وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ [الطارق: ١١- ١٢] ، و (الرجع) لغة هو الماء و (الصدع) هو النبات لأنه يصدع الأرض أي يشقها. وقوله تعالى فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ [عبس: ٢٤] ، أي كيف انفردنا في إحداثه وتهيئته ليقيم بنيته أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا [عبس: ٢٥] ، أي من المزن بعد أن لم يكن ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا [عبس: ٢٦] ، أي ثم بعد أن كانت الأرض رتقا متماسكة الأجزاء، شققناها شقّا مرئيّا مشهودا، كما تراه في الأرض بعد الريّ. أو شقّا بالنبات.

وقال أبو مسلم الأصفهانيّ: يجوز أن يراد بالفتق الإيجاد والإظهار كقوله تعالى فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأنعام: ١٤] ، وكقوله: قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ [الأنبياء: ٥٦] ، فأخبر عن الإيجاد بلفظ (الفتق) وعن الحال قبل الإيجاد بلفظ (الرتق) .

قال الرازيّ: وتحقيقه أن العدم نفي محض. فليس فيه ذوات مميزة وأعيان متباينة. بل كأنه أمر واحد متصل متشابه. فإذا وجدت الحقائق، فعند الوجود والتكوين يتميز بعضها عن بعض، وينفصل بعضها عن بعض. فهذا الطريق حسن.

جعل (الرتق) مجازا عن العدم و (الفتق) عن الوجود. انتهى.

وقال بعض علماء الفلك: معنى قوله تعالى كانَتا رَتْقاً أي شيئا واحدا.

ومعنى فَفَتَقْناهُما فصلنا بعضهما عن بعض.

قال: فتدل الآية على أن الأرض خلقت كباقي الكواكب السيارة من كل وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>