للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأول الراغب الأصفهانيّ قوله تعالى: عِنْدَ رَبِّكُمْ أي في حكمه وكتابه، كما هو وجه في آية فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ، فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ [النور: ١٣] أي في حكم الله وقضائه، وهو وجه جيد، وقوله أَفَلا تَعْقِلُونَ من تمام التوبيخ والعتاب، فهو من جملة الحكاية عنهم على سبيل إنكار بعضهم على بعض. قال الراغب: ويصح أن تكون استئناف إنكار من الله عز وجل، على سبيل ما يسمى في البلاغة «الالتفات» . ويصح أن يكون ذلك خطابا للمؤمنين، تنبيها على ما يفعله الكفار والمنافقون.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٧٧]]

أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧)

أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ أي يخفون من قولهم لأصحابهم، ومن غيره وَما يُعْلِنُونَ أي يظهرون من ذلك، فيخبر به أولياءه. قال الراغب: هذا تبكيت لهم، وإنكار لما يتعاطونه، مع علمهم بأن الله لا يخفى عليه خافية.

ولما ذكر العلماء من اليهود الذين عاندوا بالتحريف، مع العلم والاستيقان، ذكر العوامّ الذين قلدوهم، ونبّه على أنهم في الضلال سواء. لأن العالم عليه أن يعمل بعلمه، وعلى العامّيّ أن لا يرضى بالتقليد والظن، وهو متمكن من العلم، فقال:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٧٨]]

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨)

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ أي لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها من دلائل النبوة، فيؤمنوا. لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ أي التوراة، أي لا يدرون ما فيها من حدود وأحكام ومواثيق إِلَّا أَمانِيَّ بالتشديد جمع أمنية، أصلها أمنوية «أفعولة» فأعلّت إعلال سيّد، وميّت. مأخوذة من تمنى الشيء: قدّره وأحب أن يصير إليه. أو من تمنّى: كذب. أو من تمنى الكتاب: قرأه. وعلى كل فالاستثناء منقطع، إذ ليس ما يتمنى، وما يختلق وما يتلى، من جنس علم الكتاب أي لا يعلمون الكتاب. لكن يتمنون أمانيّ حسبما منّتهم أحبارهم من أن الله سبحانه يعفو عنهم. وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم. وغير ذلك من أمانيهم الفارغة. المستندة إلى الكتاب، على

<<  <  ج: ص:  >  >>