للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعيين وفضل تعريف، ليتقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الأبصار. كما تقول (ليس المضاء للسيف، ولكنه للسانك الذي بين فكيك) ، فقولك (الذي بين فكيك) تقرير لما ادعيته للسانه، وتثبيت. لأن محل المضاء هو هو لا غير. وكأنك قلت: ما نفيت المضاء عن السيف. وأثبته للسانك، فلتة ولا سهوا مني، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمدا.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحج (٢٢) : آية ٤٧]]

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧)

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ أي المبيّن في آية وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:

٣٢] ، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ أي فيصيبهم ما أوعدهم به، ولو بعد حين وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أي هو تعالى حليم لا يعجل، فإن مقدار ألف سنة عند خلقه، كيوم واحد عنده، بالنسبة إلى حلمه. لعلمه بأنه على الانتقام قادر، وأنه لا يفوته شيء. وإن أنظر وأملى. ولهذا قال بعده:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحج (٢٢) : آية ٤٨]]

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨)

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها أي أمهلتها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ إلى حكمي مرجع الكل فأجزيهم بأعمالهم. فتأثر هذه الآية ما قبلها صريح في بيان خطئهم في الاستعجال المذكور، ببيان كمال سعة حلمه تعالى، وإظهار غاية ضيق عطنهم، المستتبع لكون المدة القصيرة عنده تعالى، مددا طوالا عندهم، حسبما ينطق به قوله تعالى: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً [المعارج: ٦- ٧] ، ولذلك يرون مجيئه بعيدا، ويتخذونه ذريعة إلى إنكاره، ويجترءون على الاستعجال به، ولا يدرون أن معيار تقدير الأمور كلها، وقوعا وإخبارا، ما عنده تعالى من المقدار. أفاده ابن كثير وأبو السعود.

وفي (العناية) : لما ذكر استعجالهم، وبيّن أنه لا يتخلف ما استعجلوه، وإنما أخر حلما، لأن اليوم ألف سنة عنده. فما استطالوه ليس بطويل بالنسبة إليه، بل هو أقصر من يوم. فلا يقال: إن المناسب حينئذ أن ألف سنة كيوم، والقلب لا وجه له.

<<  <  ج: ص:  >  >>