للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ يَصْطَفِي أي يختار مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ أي فلا نكران لاصطفائه من البشر من شاء لرسالته. ولا وجه لقولهم: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا [ص: ٨] ، قال أبو السعود: كأنه تعالى. لما قرر وحدانيته، في الألوهية، ونفى أن يشاركه فيها شيء من الأشياء بيّن أن له عبادا مصطفين للرسالة، يتوسل بإجابتهم والاقتداء بهم، إلى عبادته عزّ وجلّ. وتقدمه بنحوه البيضاويّ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ أي ما عملوه وما سيعملونه وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أي لأنه مالكها. فلا يسأل عما يفعل، من الاصطفاء وغيره، وهم يسألون.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحج (٢٢) : آية ٧٧]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا أي صلّوا. وعبر عن الصلاة بهما، لأنهما أعظم أركانها. أو اخضعوا له تعالى، وخروا له سجدا، لا لغيره وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ أي تحرّوه. كصلة الأرحام ومواساة الأيتام والحض على الإطعام والاتصاف بمكارم الأخلاق لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة.

[تنبيهات:]

الأول- لم يختلف العلماء في السجدة الأولى من هذه السورة. واختلفوا في السجدة الثانية- هذه- فروي عن عمر وعليّ وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى أنهم قالوا: في الحج سجدتان. وبه قال ابن المبارك والشافعيّ وأحمد وإسحاق، يدل عليه ما

روي «١» عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله أفي الحج سجدتان؟ قال: نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما. أخرجه الترمذيّ وأبو داود

. وعن عمر بن الخطاب «٢» أنه قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين وقال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين. أخرجه مالك في (الموطأ) وذهب قوم إلى أن في الحج سجدة واحدة، وهي الأولى، وليست هذه بسجدة وهو قول الحسن وسعيد بن


(١) أخرجه أبو داود في: سجود القرآن، ١- باب تفريع أبواب السجود، وكم سجدة في القرآن، حديث رقم ١٤٠٢.
وأخرجه الترمذي في: الجمعة، ٥٤- باب ما جاء في السجدة في الحج.
(٢) أخرجه في الموطأ في: ١٥- باب الأمر بالوضوء لمن مسّ القرآن، حديث رقم ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>