للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٠] ، وقد روي عن عمر أن ابنه عبد الرحمن لما شرب الخمر بمصر وذهب به أخوه إلى أميرها عمرو بن العاص ليحده، جلده سرا، فبعث إليه عمر ينكر عليه. ولم يعتدّ بذلك حتى أرسل إلى ابنه، فأقدمه المدينة وجلده علانية، وعاش ابنه مدة ثم مرض ثم مات ولم يمت من الجلد، ولا ضربه بعد الموت، كما يزعمه الكذابون.

وقوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ نهى تعالى عما يأمر به الشيطان في العقوبات عموما وفي الفواحش خصوصا. فإن هذا الباب مبناه على المحبة والشهوة، والرأفة التي يزينها الشيطان بانعطاف القلوب على أهل الفواحش، حتى يدخل كثير من الناس بسبب هذه الآفة في الدياثة، إذا رأى من يهوى بعض المتصلين به، أو يعاشره عشرة منكرة ولو كان ولده، رقّ به وظن أن هذا من رحمة الخلق. وإنما ذلك دياثة ومهانة وعدم دين وإعانة على الإثم والعدوان. وترك للتناهي عن المنكر. وتدخل النفس به في القيادة التي هي أعظم من الدياثة كما دخلت عجوز السوء مع قومها، في استحسان ما كانوا يتعاطونه من إتيان الذكران والمعاونة لهم على ذلك، وكانت في الظاهر مسلمة على دين زوجها لوط، وفي الباطن منافقة على دين قومها. لا تقلي عملهم كما قلاه لوط. وكما فعل النسوة بيوسف. فإنهن أعنّ امرأة العزيز على ما دعته إلى من فعل الفاحشة معها ولهذا قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: ٣٣] ، وذلك بعد قولهن إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ولا ريب أن محبة الفواحش مرض في القلب. فإن الشهوة توجب السكر كما قال تعالى: إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر: ٧٢] ، وفي الصحيحين «١» ومن حديث أبي هريرة (العينان تزنيان) إلخ فكثير من الناس يكون مقصوده بعض هذه الأنواع كالنظر والاستمتاع والمخاطبة. ومنهم من يرتقي إلى المس والمباشرة. ومنهم من يقبل وينظر. وكل ذلك حرام. وقد نهانا الله سبحانه أن تأخذنا بالزناة رأفة، بل نقيم عليهم الحد، فكيف بما دونه من هجر؟ ونهي وتوبيخ وغير ذلك؟ بل ينبغي شنآن الفاسقين وقلاهم على ما يتمتع به الإنسان من أنواع الزنى المذكورة في الحديث. والمحب، وإن كان يحب النظر والاستمتاع بصورة المحبوب وكلامه، فليس دواؤه في ذلك، لأنه مريض. والمريض إذا اشتهى ما يضره أو جزع من تناول الدواء الكريه، فأخذتنا به رأفة، فقد أعناه على ما يهلكه ويضره وقال تعالى:

إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: ٤٥] ، أي فيها الشفاء والبرء


(١) أخرجه أبو هريرة في: الاستئذان، ١٢- باب زنى الجوارح دون الفرج، حديث ٢٣٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>