للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليعودوا عليهم بالعفو والصفح. وليفعلوا بهم مثل ما يرجون أن يفعل بهم ربهم، مع كثرة خطاياهم وذنوبهم وسيأتي سبب نزولها فيمن عني بها.

ثم بيّن تعالى وعيد القاذفين للبريئات، بقوله سبحانه:

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النور (٢٤) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ أي العفائف عن الفاحشة، النقيات القلوب عنها الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا بالذم والحد وردّ الشهادة إلا إذا تابوا وَالْآخِرَةِ أي حيث يلعنهم ثمة الملائكة ومن شاء الله وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي يعترفون بها بإنطاق الله تعالى إياها أو بظهور آثار ما عملوه عليها. بحيث يعلم من يشاهدهم ما عملوه.

وذلك بكيفية يعلمها الله. فهو استعارة. ورجع الأول لقوله: قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت: ٢١] ، فظاهره الحقيقة، وحمله على الثاني بعيد. قيل:

سيأتي في (يس) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [يس: ٦٥] ، والختم على الأفواه ينافي شهادة الألسنة. والجواب أن الختم على الأفواه معناه المنع عن التكلم بما يريده وينفعه، بحسب زعمه، اختيارا. كالإنكار والاعتذار، أو أن هذا في حال، وذلك في حال، أو كل منهما في حق قوم غير الآخرين، أو هذا في حق القذفة، وذاك في حق الكفرة- وليس بشيء- إذ لا منافاة فالسر في التصريح بالألسنة هنا، وعدم ذكرها هناك، أن الآية لما كانت في حق القاذف بلسانه، وهو مطالب معه بأربعة شهداء، ذكر هنا خمسة أيضا، وصرح باللسان الذي به عمله ليفضحه، جزاء له من جنس فعله. كذا في (العناية) .

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النور (٢٤) : آية ٢٥]]

يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥)

يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ تشهد عليهم بما ذكر يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ أي جزاءهم الْحَقَّ أي الواجب الثابت وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ أي المظهر للأمور كما هي في أنفسها. ثم أشار تعالى إلى ما يؤكد التبرئة من شاهد العرف والعادة، في أنه لا يضم الشكل إلا إلى شكله، ولا يساق الأهل إلا إلى أهله، بقوله سبحانه:

<<  <  ج: ص:  >  >>