للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدلوا إليه. والمخصوص بالذم قوله تعالى: أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ أي كفرهم بالكتاب المصدق لما معهم بعد الوقوف على حقيقته بَغْياً حسدا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ لأن ينزل، أو على أن ينزل. أي حسدوه على أن ينزل الله مِنْ فَضْلِهِ الذي هو الوحي عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أي يشاؤه ويصطفيه للرسالة فَباؤُ بِغَضَبٍ أي رجعوا لأجل ذلك بغضب، في حسدهم لهذا النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى كفروا به عَلى غَضَبٍ كانوا استحقوه قبل بعثته صلّى الله عليه وسلّم من أجل تحريفهم الكلم، وتضييعهم بعض أحكام التوراة، وكفرهم بعيسى عليه السلام.

قال الرازيّ: إن غضبه تعالى يتزايد ويكثر ويصح فيه ذلك كصحته في العذاب، فلا يكون غضبه على من كفر بخصلة واحدة، كغضبه على من كفر بخصال كثيرة.

قلت:

وفي الصحيحين عن أبي هريرة: «اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك لا ملك إلا الله» «١»

. والروايات في توصيف غضبه تعالى بالشدة على بعض المنكرات متوافرة. انظر الجامع الصغير.

ويحتمل المعنى. فصاروا أحقاء بغضب مترادف، فلا يكون القصد إثبات غضبين لأمرين متنوعين أو أمور، بل المراد به تأكيد الغضب وتكثيره لأجل أن هذا الكفر، وإن كان واحدا، إلا أنه عظيم. والله أعلم.

وقد قدمنا في تفسير قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ أن الغضب صفة وصف الله تعالى نفسه بها. وليس غضبه كغضبنا. كما أن ذاته ليست مثل ذواتنا، فليس هو مماثلا لأبداننا ولا لأرواحنا، وصفاته كذاته. وما قيل: إن الغضب من الانفعالات النفسانية فيقال نحن وذواتنا منفعلة، فكونها انفعالات فينا لا يجب أن يكون الله منفعلا بها. كما أن نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين. فصفاته كذلك ليست كصفات المخلوقين، ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه. وليس المنسوب كالمنسوب والمنسوب إليه كالمنسوب إليه. كما

قال صلّى الله عليه وسلّم: «ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر» «٢»

فشبه الرؤية بالرؤية لا المرئيّ بالمرئيّ. وهذا يتبيّن بقاعدة: وهي أن كثيرا من الناس يتوهم، في بعض


(١)
أخرجه البخاريّ في: الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله، ونصه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أخنى (أخنع) الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى ملك الأملاك»
. (٢) أخرجه البخاريّ في: مواقيت الصلاة، ١٦- باب فضل صلاة العصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>