للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أشار تعالى إلى أن الزينة، كما يجب إخفاؤها عن البصر، يجب عن السمع، إن كانت مما تؤثر فيه ميلا، بقوله سبحانه:

وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ أي الأرض لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ أي عن الأبصار مِنْ زِينَتِهِنَّ كالخلخال. وهذا نهي عما كان يفعله بعضهن. وذلك من ضرب أرجلهن الأرض ليتحرك خلخالهن فيعلم أنهن متحلين به. فإن ذلك مما يورث الرجال ميلا إليهن، ويوهم أن لهن ميلا إليهم.

قال الزمخشريّ: وإذ نهين عن إظهار صوت الحليّ بعد ما نهين عن إظهار الحليّ، علم بذلك أن النهي عن إظهار مواضع الحليّ أبلغ وأبلغ. قيل: وإذا نهي عن استماع صوت حليهن. فعن استماع صوتهن بالطريق الأولى. وهذا سدّ لباب المحرمات، وتعليم للأحوط الأحسن، لا سيما في مظانّ الريب وما يكون ذريعة إليها.

[تنبيه:]

قال ابن كثير: يدخل في هذا النهي كل شيء من زينتها كان مستورا، فتحركت بحركة، لتظهر ما خفي منها. ومن ذلك ما ورد من نهيها عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليشم الرجال طيبها.

فروى الترمذيّ «١» عن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل عين زانية. والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا»

. يعني زانية.

قال: ومن الباب عن أبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود والنسائي.

وروى الترمذيّ «٢» أيضا عن ميمونة بنت سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرافلة في الزينة في غير أهلها، كمثل ظلمة يوم القيامة، لا نور لها»

. ومن ذلك أيضا، نهيهن عن المشي في وسط الطريق لما فيه من التبرج.

فروى أبو داود «٣» عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق. عليكن بحافات الطريق. فكانت المرأة تلصق بالجدار، حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به

. وقوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أي ارجعوا إليه بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه، فإن مقتضى إيمانكم ذلك


(١) أخرجه الترمذي في: الأدب، ٣٥- باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة.
(٢) أخرجه الترمذي في: الرضاع، ١٣- باب ما جاء في كراهية خروج النساء في الزينة.
(٣) أخرجه أبو داود في: الأدب، ١٦٨- باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق، حديث ٥٢٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>