للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتجاوزها إلى ما ليس لها. وقوله تعالى: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ليس لتخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف عن الزنى، وإخراج ما عداها من حكمه، بل للمحافظة على عادتهم المستمرة، حيث كانوا يكرهونهن على البغاء وهن يردن التعفف عنه، مع وفور شهوتهن الآمرة بالفجور، وقصورهن في معرفة الأمور، الداعية إلى المحاسن، الزاجرة عن تعاطي القبائح، انتهى كلام أبي السعود. أي وحينئذ فلا مفهوم للشرط، وهذا كجواب بعضهم: إن غالب الحال أن الإكراه لا يحصل إلا عند إرادة التحصن.

والكلام الوارد على سبيل الغالب لا يكون له مفهوم الخطاب. كما أن الخلع يجوز في غير حالة الشقاق. ولكن لما كان الغالب وقوع الخلع في حالة الشقاق، لا جرم لم يكن لقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: ٢٢٩] ، مفهوم. ومن هذا القبيل قوله وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:

١٠١] ، والقصر لا يختص بحال الخوف. ولكنه سبحانه أجراه على سبيل الغالب.

فكذا هاهنا انتهى.

قال أبو السعود: وفيه من زيادة تقبيح حالهم وتشنيعهم على ما كانوا عليه من القبائح، ما لا يخفى. فإن من له أدنى مروءة لا يكاد يرضى بفجور من يحويه حرمه من إمائه، وفضلا عن أمرهن به، أو إكراههن عليه. لا سيما عند إرادتهن التعفف. وإيثار كلمة (إن) على (إذا) مع تحقق الإرادة في مورد النص حتما، للإيذان بوجوب الانتهاء عن الإكراه، عند كون إرادة التحصن في حيز التردد والشك. فكيف إذا كانت محققة الوقوع كما هو الواقع؟ وقوله تعالى: لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا قيد للإكراه، لكن لا باعتبار أنه مدار للنهي عنه، بل باعتبار أنه المعتاد فيما بينهم، كما قبله. جيء به تشنيعا لهم فيما هم عليه من احتمال الوزر الكبير، لأجل النزر الحقير.

أي لا تفعلوا ما أنتم عليه من إكراههن على البغاء لطلب المتاع السريع الزوال، الوشيك الاضمحلال. يعني من كسبهن وأولادهن.

وقوله تعالى: وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ جملة مستأنفة سيقت لتقرير النهي وتأكيد وجوب العمل به ببيان خلاص المكرهات عن عقوبة المكره عليه عبارة، ورجوع غائلة الإكراه إلى المكرهين إشارة، أي وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ على ما ذكر من البغاء. فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي لهن. كما وقع في مصحف ابن مسعود. وعليه قراءة ابن عباس رضي الله عنهم. وكما ينبئ عنه قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>