للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل السموات والأرض. فبنوره اهتدى أهل السموات والأرض. وهذا إنما هو فعله.

وإلا فالنور الذي هو من أوصافه قائم به. ومنه اشتق له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى. والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين. إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله. فالأول كقوله عزّ وجلّ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها [الزمر: ٦٩] ، فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى، إذا جاء لفصل القضاء. ومنه

قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء المشهور: «أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني لا إله إلا أنت» .

وفي الأثر الآخر: أعوذ بوجهك- أو بنور وجهك- الذي أشرقت له الظلمات

. فأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم. أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله. كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره.

وفي (معجم الطبرانيّ) و (السنة) له و (كتاب عثمان الدارمي) وغيرها، عن ابن مسعود رضي الله عنه. قال: ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه. وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية، من قول من فسرها بأنه هادي أهل السموات والأرض. وأما من فسرها بأنه منوّر السموات والأرض، فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود. والحق أنه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلها.

وفي صحيح «١» مسلم وغيره من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور. لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» .

وفي صحيح «٢» مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل رأيت ربك؟ قال: نور، أنّى أراه»

. فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: معناه كان ثمة نور، وحال دون رؤيته نور، فأنى أراه؟ قال: ويدل عليه أن في بعض الألفاظ الصحيحة: هل رأيت ربك؟ فقال: رأيت نورا. وقد أعضل أمر هذا الحديث على كثير من الناس حتى صحفه بعضهم فقال:

نورانيّ أراه. على أنها ياء النسب، والكلمة كلمة واحدة. وهذا خطأ لفظا ومعنى.

وإنما أوجب لهم هذا الإشكال والخطأ أنهم لما اعتقدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وكان قوله (أنّى أراه) كالإنكار للرؤية، حاروا في الحديث، ورده بعضهم باضطراب


(١) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم ٢٩٣.
(٢) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>