للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقاربت في الوقوع، والسؤال عنها والاحتياج إلى البيان لكونها في معرض الاستفتاء، والإفتاء، كان ذلك جامعا بينها، محسنا للعطف، وإن تباينت.

قال الشهاب: وبهذا يظهر الجواب عن زعم أنه لا يلائم ما قبله ولا ما بعده.

لأن ملائمته لما بعده قد عرف وجهها. وأما ملائمته لما قبله فغير لازمة، إذ لم يعطف عليه. انتهى.

وقيل: كان المؤمنون يذهبون بالضعفاء وذوي العاهات إلى بيوت أزواجهم وأولادهم، وإلى بيوت قراباتهم وأصدقائهم، فيطعمونهم منها. فخالج قلوب المطعمين والمطعمين ريبة في ذلك. وخافوا أن يلحقهم فيه حرج. وكرهوا أن يكون أكلا بغير حق، لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [البقرة: ١٨٨] ، فقيل لهم: ليس على الضعفاء، ولا على أنفسكم، يعني عليكم، وعلى من في مثل حالكم من المؤمنين، حرج في ذلك.

وقيل: كان هؤلاء يتوقون مجالسة الناس ومواكلتهم، لما عسى يؤدي إلى الكراهة من قبلهم. ولأن الأعمى ربما سبقت يده إلى ما سبقت عين أكيله إليه وهو لا يشعر. والأعرج يتفسح في مجلسه ويأخذ أكثر من موضعه، فيضيق على جليسه.

والمريض لا يخلو عن حالة تؤنف.

وقيل: كانوا يخرجون إلى الغزو، ويخلفون الضعفاء في بيوتهم، ويدفعون إليهم المفاتيح، ويأذنون لهم أن يأكلوا من بيوتهم. فكانوا يتحرجون. فقيل: ليس على هؤلاء الضعفاء حرج فيما تحرجوا عنه، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت.

هذا ما ذكروه. ولا يخفى صدق الآية على جميع ذلك، ونفي الحرج عنه كله.

ولا يستلزم نفي الحرج عن مؤاكلة المريض على هذه الأوجه الأخر، أن يشرك أكيله الصحيح في غمس يده من إنائه مما حظر منه الطب، وغدت الأنفس تعافه. بل يراد به حضوره مع الصحيح على مائدة، واختصاصه بقصعة على حدة. وما أحسن عادة الانفراد بالقصاع، مما تطيب معه نفس المرضى والأصحاء في الاجتماع. وقوله تعالى: وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أي بيوت أزواجكم وعيالكم. أضافه إليهم، لأن بيت المرأة كبيت الزوج وهذا قول الفرّاء.

وقال ابن قتيبة: أراد بيوت أولادهم. فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء، لأن الولد كسب والده، ماله كماله.

قال صلى الله عليه وسلم «١»

«إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه» .


(١) أخرجه النسائي في: البيوع، ١- باب الحث على الكسب، عن عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>