للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضوركم كحضوركم في مجالسكم. أي لا تفارقوا مجلسه إلا بإذنه، والزموا معه الأدب.

وذهب قوم إلى أن المراد بالدعاء الأمر. منهم ابن أبي الحديد حيث قال في (الفلك الدائر) : إن المعنى المتقدم، وإن دلت عليه قرينة متقدمة، كما قال ابن الأثير- ففي الآية قرينة أخرى متأخرة تقتضي حمله على محمل آخر غير هذا. ولعله الأصح. وهي أن يراد بالدعاء الأمر. يقال: دعا فلان قومه إلى كذا، أي أمرهم به وندبهم إليه وقال سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال: ٢٤] ، أي ندبكم. وقال سبحانه: وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ [نوح: ٧] ، أي أمرتهم وندبتهم والقرينة المتأخرة قوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ انتهى. وكذا قال المهايمي: أي لا تجعلوا أمره بينكم كأمركم بينكم يجاب تارة دون أخرى. لأنه واجب الطاعة. لا يسقط بالانسلال عن جملة المدعوّ.

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً أي ينسلون قليلا قليلا. (واللواذ) الملاوذة، وهو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا. يعني ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة، واستتار بعضهم ببعض. و (لواذا) حال. أي ملاوذين.

هذا، وقيل معنى الآية: لا تجعلوا نداءه وتسميته، كنداء بعضكم بعضا باسمه ورفع الصوت به، والنداء وراء الحجرة. ولكن بلقبه المعظم. مثل: يا نبيّ الله! ويا رسول الله! مع التوقير والتواضع وخفض الصوت.

وضعف بأنه لا يلائم السياق واللحاق. وتكلف بعضهم لربطه بما قبله، بأن الاستئذان يكون بقولهم: يا رسول الله! إنا نستأذنك. ولأن من معه في أمر جامع يخاطبه ويناديه. والأول أظهر وأولى كما في (العناية) .

نعم، في التنزيل عدة آيات، في إيجاب مشافهته صلوات الله عليه بالأدب ومخاطبته بالتوقير، وجعله من ضرورة الإيمان ومقتضاه. كآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا [البقرة: ١٠٤] الآية، ويا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات: ٢] ، إلى قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [الحجرات: ٤] ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أي يعرضون عنه ولا يأتون به. فضمن (المخالفة) معنى الإعراض والصدّ. أو عن صلته. وقيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>