للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما عدّه جديرا بأن يتعجبوا منه، لأنهم، على ما حققه المؤرخون، غلوا في عبادة الأصنام وتعديد الآلهة غلوّا أربوا على كل من سواهم في الضلال. فكانوا يسجدون للشمس والقمر، والنجوم، والأشخاص البشرية، والحيوانات، حتى الهوامّ، وأدنى حشرات الأرض.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]

قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)

قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ أي لكونه يدعو إلى خلاف ما عقل عن الآباء.

قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أي شيئا ما، أو إن كنتم من أهل العقل علمتم أن الأمر كما قلته. وفيه إيذان بغاية وضوح الأمر، بحيث لا يشتبه على من له عقل في الجملة، وتلويح بأنهم بمعزل من دائرة العقل، وإنهم المتصفون بما رموه عليه السلام به من الجنون.

[تنبيه:]

ذهب بعض المفسرين إلى أن فرعون كان من المعطلة، لا يقر بخالق، ولا يعترف بمعبود لظاهر قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [القصص: ٣٨] ، وأن قومه كانوا لا يؤلهون سواه.

قال ابن كثير: ومن زعم من أهل المنطق أن هذا سؤال عن الماهية فقد غلط.

فإنه لم يكن مقرّا بالصانع، حتى يسأل عن الماهية، بل كان جاحدا له بالكلية فيما يظهر. انتهى.

وقدمنا أنه حقق الاكتشاف الصحيح والتاريخ الوثيق، أنه كان من الوثنيين الغالين. وأن له ولقومه عدة معبودين علويين وسفليين.

وعليه فمعنى قوله (ما علمت لكم من إله غيري) أي مطاع عظيم، وكانوا لا يتحاشون من إطلاق الإله على الجبار المسيطر. فبقي سؤاله بما يحتمل أن يكون على نهج القاعدة المنطقية، من طلب الاكتناه، وتعجبه من جوابه، ثم رميه بالجنون، ثانيا، لعدوله عن الكنه إلى الأثر. ويحتمل أن يكون لتعرفه من جهة وحدته في ربوبيته التي ادعاها موسى، وأن تعجبه لما شاهد من الجد في الدعوة والثبات عليها، والصدع بما يؤلم عظمته، ويغمز جبروته وهذا هو الذي أذهب إليه، فإن القوم

<<  <  ج: ص:  >  >>