للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أي لا يقي المرء من عذاب الله ماله ولو افتدى بملء الأرض ذهبا. ولا بنوه، وإن كانوا غاية في القوة. فإن الأمر ثمة ليس كما يعهدون في الدنيا، بل لا ينفع إلا الموافاة بقلب سليم من مرض الكفر والنفاق والخصال المذمومة والملكات المشؤومة.

قال الزمخشريّ:

وما أحسن ما رتب إبراهيم عليه السلام كلامه مع المشركين حين سألهم أولا عما يعبدون سؤال مقرر لا مستفهم. ثم أنحى على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع. وعلى تقليدهم آباءهم الأقدمين، فكسره وأخرجه من أن يكون شبهة، فضلا أن يكون حجة. ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلص منها إلى ذكر الله عزّ وعلا، فعظم شأنه وعدد نعمته من لدن خلقه وإنشائه، إلى حين وفاته، مع ما يرجى في الآخرة من رحمته. ثم أتبع ذلك أن دعاه بدعوات المخلصين، وابتهل إليه ابتهال الأوّابين. ثم وصله بذكر يوم القيامة، وثواب الله وعقابه، وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال، وتمني الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا.

ثم بين سبحانه أن الجنة تكون قريبة من موقف السعداء، ينظرون إليها ويغتبطون بأنهم المحشورون إليها. والنار تكون بارزة مكشوفة للأشقياء بمرأى منهم، يتحسرون على أنهم المسوقون إليها.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٩٠ الى ٩٤]

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤)

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ أي الضالّين عن طريق الحق الذي هو الإيمان والتقوى. وإيثار صيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع وتقرره.

وَقِيلَ لَهُمْ توبيخا على شركهم أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ أي يدفعون العذاب عنكم، أو يدفعونه عن أنفسهم، لأنهم وآلهتهم وقود النار. وهو قوله تعالى: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ أي الآلهة وَالْغاوُونَ أي وعبدتهم الذين برزت لهم الجحيم.

قال الزمخشريّ: والكبكبة تكرير الكب- وهو الإلقاء على الوجه- جعل

<<  <  ج: ص:  >  >>