للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظره وتوجيه وجهه له، لمراعاته والاهتمام بحفظه حَنِيفاً أي مائلا عن كل ما سواه، إليه. قال المهايميّ: ولا يعسر الرجوع إليه لكونه فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها أي لأن عقل كل واحد يدل على أنه حادث يفتقر إلى محدث. ولا دلالة على الافتقار إلى متعدد أبدا. فالقول بتعدده تغيير للفطرة. لكن لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي لا تغيير لأمر العقل الذي خلقه الله للاستدلال ذلِكَ أي الدين المأمور بإقامة الوجه له، أو الفطرة الدِّينُ الْقَيِّمُ أي المستقيم الذي لا عوج فيه. قال المهايميّ:

وإن لم يقم عند المبدلين دليل على استحالة التعدد، فهذا هو مقتضى الفطرة وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي أنه مقتضى الفطرة. وهي أقطع قاطع وأحسم حاسم لشغب المشاغب. لأنها من الأمور التي لا تدخل تحت الكسب والاختيار. وقوله تعالى مُنِيبِينَ إِلَيْهِ أي راجعين إليه بالتوبة والإنابة وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: ١٣٥] ، وهو حال من فاعل (الزموا) المقدّر ناصبا ل (فطرة) أو من فاعل (أقم) على المعنى. إذ لم يرد به واحد بعينه. أو لأن الخطاب له صلّى الله عليه وسلّم ولأمته. أو على أنه على حذف المعطوف عليه. أي: أقم أنت وأمتك. والحال من الجميع وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ أي جعلوه أديانا مختلفة، لاختلاف أهوائهم وَكانُوا شِيَعاً أي فرقا كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ أي كل حزب منهم فرح بمذهبه، مسرور، يحسب باطله حقا.

قال القاشانيّ: يعني المفارقين الدين الحقيقيّ، المتفرقين شيعا مختلفة، كل حزب عند تكدّر الفطرة، وتكاثف الحجاب، يفرح بما يقتضيه استعداده من الحجاب، لكونه مقتضى طبيعة حجابه. فيناسب حاله من الاستعداد العارضي، وإن لم يلائم الحقيقة بحسب الاستعداد. ولهذا يجب به التعذيب عند زوال العارض.

ثم احتج عليهم برجوعهم إليه عند الشدائد، مما يحمل أن يرجع إليه بعبادته دائما، بقوله سبحانه:

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الروم (٣٠) : الآيات ٣٣ الى ٣٦]

وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>