للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول في تأويله قوله تعالى: [سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٣٧ الى ٣٩]

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٣٧) ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٣٩)

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أي بالإسلام ومتابعة النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وهو زيد بن حارثة وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أي بالعتق والحرية والاصطفاء بالولاية والمحبة، وتزويجه بنت عمتك زينب بنت جحش.

قال ابن كثير: كان سيدا كبير الشأن جليل القدر، حبيبا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم يقال له (الحب) ويقال لابنه أسامة (الحب ابن الحب)

قالت عائشة رضي الله عنها: ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلّم في سرية إلا أمّره عليهم. ولو عاش بعده لاستخلفه. رواه الإمام أحمد «١»

. أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ أي لا تطلقها وَاتَّقِ اللَّهَ أي اخشه في أمرها فإن الطلاق يشينها وقد يؤذي قلبها وارع حق الله في نفسك أيضا. فربما لا تجد بعدها خيرا منها. وكانت تتعظم عليه بشرفها، وتؤذيه بلسانها. فرام تطليقها متعللا بتكبرها وأذاها فوعظه صلى الله عليه وسلّم وأرشده إلى الصبر والتقوى وَتُخْفِي أي تضمر فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ أي من الحكم الذي شرعه. أي تقول ذلك، وأنت تعلم أن الطلاق لا بد منه، وأن لا منتدح عن امتثال أمر الله بنفسك، لتكون أسوة لمن معك ولمن يأتي بعدك. وإنما غلبك في ذلك الحياء وخشية أن يقولوا تزوج محمد مطلقة متبناه. وهذا معنى قوله تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ أي قالتهم وتعييرهم الجاهليّ وَاللَّهُ أي الذي ألهمك ذلك وأمرك به أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ أي فكان عليك أن تمضي في الأمر من أول وهلة تعجيلا بتنفيذ كلمته وتقدير شرعه، ثم زاده بيانا بقوله فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً أي حاجة بالزواج زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ أي ضيق من العار في نكاح زوجات أدعيائهم


(١) أخرجه في المسند: ٦/ ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>