للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه وسلّم الدنيوية: ولا يجوز عليه صلى الله عليه وسلّم أن يأمر أحدا بشيء أو ينهى أحدا عن شيء، وهو يبطن خلافه

وقد قال عليه السلام «١» : «ما كان لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين، فكيف أن تكون له خائنة قلب؟» .

فإن قلت: فما معنى قوله في قصة زيد وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الآية. فاعلم أكرمك الله ولا تسترب في تنزيه النبيّ عليه السلام عن هذا الظاهر، وأن يأمر زيدا بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها، ذكر عن جماعة من المفسرين. وأصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير عن عليّ بن حسين. أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه. فلما شكاها إليه زيد،

قال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أمسك عليك زوجك واتق الله

، وأخفى منه في نفسه ما أعلمه الله به أنه سيتزوجها مما الله مبديه ومظهره بتمام التزويج وطلاق زيد لها.

وروى نحوه عمر بن قائد عن الزهري قال: نزل جبريل عليه السلام على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلمه أن الله يزوجه زينب بنت جحش. فذلك الذي أخفى في نفسه، ويصحح هذا قول المفسرين في قوله بعد هذا وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا أي لا بد لك أن تتزوجها. ويوضح هذا أن الله تعالى لم يبد من أمره معها غير زواجه لها. فدل أنه الذي أخفاه عليه السلام، مما كان أعلمه به تعالى، وقوله تعالى في القصة ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ دل على أنه لم يكن عليه حرج في الأمر. ولو كان على ما قيل من وقوعها في قلبه، ومحبة طلاق زيد لها،. لكان فيه أعظم الحرج.

وكيف يقال: رآها فأعجبته وهي بنت عمته. ولم يزل يراها منذ ولدت. ولا كان النساء يحتجبن منه عليه السلام، وهو زوّجها لزيد، وإنما جعل الله طلاق زيد لها وتزويج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إياها، لإزالة حرمة التبني وإبطال سببه. كما قال ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ، وقال: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ قال ابن فورك: وليس معنى الخشية هنا الخوف. وإنما معناه الاستحياء. أي يستحي منهم أن يقولوا تزوج زوجة ابنه. وأن خشيته عليه السلام من الناس كانت من إرجاف المنافقين واليهود، وتشغيبهم على المسلمين بقولهم: تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء، كما كان. فعتبه الله تعالى على هذا، أو نزهه عن الالتفات إليهم فيما أحلّه له. كما عتبة على مراعاة رضا أزواجه في سورة التحريم بقوله: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [التحريم: ١] ، الآية. كذلك قوله هاهنا. انتهى ملخصا.

الثالث- قال الإمام ابن حزم في (الفصل) يردّ على من استدل بمثل هذه الآية


(١) أخرجه أبو داود في: الحدود، ١- باب الحكم فيمن ارتد، حديث ٤٣٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>