للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول صلّى الله عليه وسلّم في جواب جفاة الأعراب حين ما يبلغه أو يسمع ما يكره: رحمة الله على موسى. لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر.

وقد روى المفسرون هاهنا آثارا. أحسنها ما

أخرجه البزار عن أنس مرفوعا: كان موسى رجلا حييّا. وأنه أتى الماء ليغتسل. فوضع ثيابه على صخرة. وكان لا يكاد تبدو عورته. فقال بنو إسرائيل إن موسى آدر أو به آفة. يعنون أنه لا يضع ثيابه.

فاحتملت الصخرة ثيابه حتى صارت بحذاء بني إسرائيل. فنظروا إلى موسى كأحسن الرجال. أو كما قال. فذلك قوله فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً ورواه «١» البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة أيضا.

قال الرازيّ وحديث إيذاء موسى مختلف فيه- أي لكثرة الروايات فيه- مع أن الإيذاء المذكور في القرآن كاف كقولهم: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا [المائدة:

٢٤] ، وقولهم: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: ٥٥] ، وقولهم: لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ [البقرة: ٦١] ، إلى غير ذلك. فقال للمؤمنين: لا تكونوا أمثالهم. انتهى.

وقال ابن كثير: يحتمل أن يكون كل ما روي مرادا. وأن يكون معه غيره.

انتهى. أي لعموم المعمول المحذوف. وما بيناه أولا، هو الأقرب. والله أعلم.

تنبيهات:

الأول- (الوجيه) لغة بمعنى السيد، كالوجه. يقال: هؤلاء وجوه البلد ووجهاؤه. أي أشرافه. وبمعنى ذي الجاه- والجاه القدر والمنزلة. مقلوب عن (وجه) فلما أخرت (الواو) إلى موضع (العين) وصارت جوها، قلبت (الواو) ألفا.

فصارت (جاها) . كذا في القاموس وشرحه.

الثاني- قال الزمخشريّ: (وجيها) أي ذا جاه ومنزلة عنده. فلذلك كان يميط عنه التهم ويدفع الأذى ويحافظ عليه لئلا يلحقه وصم ولا يوصف بنقيصة. كما يفعل الملك بمن له عنده قربة ووجاهة. وقال ابن جرير: أي كان موسى عند الله مشفّعا فيما يسأل، ذا وجه ومنزلة عنده، بطاعته إياه. أي مقبولا ومجابا فيما يطلب لقومه من الله تعالى، عناية منه تعالى وتفضيلا.

الثالث- اتخذ العامة، وكثير من المتعالمين، وصف الوجاهة للأنبياء، ذريعة


(١) أخرجه البخاري في: الغسل، ٣٠- باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة، حديث رقم ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>